للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من سير الخالدين]

حياة المازني

للأستاذ محمد محمود حمدان

(قد شببت عن الطوق جدا. ولكني مازلت أمت إلى طفولتي

بسبب قوي، وما انفكت أخراي معقودة بأولاها)

(المازني)

- ٥ -

الكهولة الطفلة

كانت سنوات الشباب في حياة المازني فترة تجربة نفسية امتحن بها. ولقد طالت به هذه التجربة وخلفت نتائجها في كيانه وسريرته، وكان لها أثرها البعيد فيما عدل إليه من أسلوب الحياة ونهج التفكير.

بدأت هذه التجربة النفسية مع مطلع الحرب الكبرى، حين أصيب المازني بعرج في إحدى ساقيه؛ (وما كنت سكران ولا وقعت من سطح ولا زلت بي قدم، ولا شيء غير هذا مما يكسر العظام. ولكنما كانت زوجتي مريضة فأجريت لها عملية جراحية. وفي صباح اليوم التالي وقفت إلى سريرها وفي يمناي الدواء ممزوجا في كوب من الزجاج، وحاولت أن أرفعها بيسراي، وكان السرير عاليا وأنا قصير القامة فشببت فسمعت شيئا يطق فظننت الكوب قد انكسر، وتلفت أنظر فإذا هو في كفي سليم، فحاولت أن أدور على قدمي لأرى فإذا بساقي اليمنى تخذلني ولا تحملني فعلمت أن الصوت منها، ثم تبينت بعد ذلك أن حق الحرقفة هو الذي انكسر، وعولجت ثلاثة شهور، ولكن العلاج كان فيه بعض الخطأ فانحرفت عظمة الساق عن استقامتها فقصرت عن أختها فكان هذا العرج)

عند ذاك تغيرت الدنيا في عينيه، وأدركته الشيخوخة في عنفوان شبابه، وغمرته - كما يقول - مرارة كان يخيل إليه أنه يحسها على لسانه، وتملكنه السوداء والتشاؤم، وأصيب من جراء ذلك بالنيراستينيا. ولقد كانت هذه الحادثة أقسى ما يمكن أن يمتحن به معدن شاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>