للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حديث الصيام]

عدالة قاض

للأستاذ محمد رجب البيومي

(مهداة إلى أستاذي الأديب الشاعر الرواية أحمد شفيع السيد)

- ١ -

كلفت أخيراً بالبحث في تاريخ القضاء الإسلامي فشاهدت صفحات لامعة تغري بالتتبع والاستقصاء، ووقفت على جهود محمودة لنخبة ممتازة من رجال الحق وأنصار العدالة، فتعجبت كيف لا تُجمع هذه الدرر الوضيئة في عقد نضيد يكون موضعاً للمفاخرة والمباهاة!!

وتحن لا نستغرب إذ نجد رجال القضاء في عصور الإسلام الزاهية على جانب كبير من التحرر والدقة، فقد تمكنت تعاليم الإسلام الخالدة من نفوسهم فعرفوا الله حق معرفة، وقرءوا الكتاب والحديث ودرسوا مسائل القياس وقوانين النظر. هذا إلى ما يشرق في قلب المؤمن التقي من نور يهديه إلى الحق مهما تكاثف الظلام!!

ومن هؤلاء الأئمة الأفذاذ القاضي أبو جعفر أحمد بن اسحق أبن البهلول التنوخي الأنباري. وقد أجمع الذين كتبوا عنه على سلامة استنباط وصحة توجهه، وصدق تعليله. وأنت تجدهم يصفونه - في إسهاب زائد - بالبلاغة العالية إذا خطب أو ترسل كما ينقلون شذرات ثمينة من شعره تُنبئ عن عاطفة وذوق، ويجعلونه حجة في التفسير والحديث والرواية والإسناد. أما تبحره في الفقه على مذهب أهل القياس فقد بوّأه منصة القضاء أكثر حياته التي زادت على الثمانين. وإذا اجتمع لفاضل من الناس كلُّ هذه المميزات الرفيعة، فماذا ينقصه من الشمائل والصفات؟!

على أننا لا نكبر الرجل لعلمه وحده، فكثير من الأئمة في القديم والحديث قد جاوزوه في التحصيل والدراية، ولكننا ننظر بكثير من الإجلال والإكبار إلى صرامته في الحق دون مبالاة، وهجومه على الباطل في غير هوادة، مهما جر عليه ذلك من بلاء وعنت. وناهيك بمن يفاجئ رؤساء وصدور الدولة في عهد بما لا يطيق المؤمن الورع صبراً عليه من ميل

<<  <  ج:
ص:  >  >>