وهاأنذا أقدم للقارئ الكريم موقفين متشابهين له في نصرة الحق، راجياً أن يكون أسوة حسنة، ومثالا يحتذيه الناس.
- ٢ -
نحن في أوائل القرن الرابع الهجري وقد انحدرت الدولة العباسية من أوجها السابق إلى وهدة سحيقة سقطت فيها هيبة الخلفاء والأمراء، وتنازع الوزراء وأعيان الدولة على الحكم شر تنازع وأبشعه، فكان هم كلُّ وزير أن ينكل بمن سبقه، فيخلق له الاتهامات الخطيرة التي تطيح بحياته ليأمن على منصبه وجاهه فلا يجد المنافس العنيد. وقد كان حامد بن العباس وزير الخليفة المقتدر بالله يضيق ذرعاً بسلفة الوزير أبي الحسن بن الفرات.
فحاك له من خياله الآثم أفظع تهمة يمكن أن توجه إلى إنسان حيث اختلى بالخليفة، وأخبره أنه عثر على وثائق هامة تثبت اتصال ابن الفرات ببعض العلويين المطالبين بالخلافة، وأن الحزم يوجب أخذه بالشدة لتجري الأمور في وضعنا الصحيح. وقد لهتم الخليفة المقتدر بالأمر، فعقد لفوره مجلساً برئاسة لمحاكمة الوزير السابق، وقد أحضر فيه على بن عيسى بن إسحق بن البهلول وأبا عمر محمد بن يوسف. وجئ بابن الفرات مخفوراً إلى المحاكمة حيث وقف غريمة الوزير حامد بن أمام الخليفة يبسط التهمة الخطيرة، ويبين مغبتها الجريئة، ثم اتجه إلى الباب فجأة وصاح بأحد الحجاب: أدخل الجندي في الحال!
فدخل جندي مديد القامة، مكتمل الصحة، فاتجه حامد إلى المقتدر وقال: لقد ضبط هذا الجندي قادماً من مدينة (أردبيل) ومعه كتب خاصة من لأبن الفرات إلى ابن أبي الساج يطلب فيها معاونه الداعي العلوي وتجهيزه للغد إلى بغداد، حيث يستقبله ابن الفرات فيتعاونان معاً على تقويض الخلافة العباسية، وإنهائها إلى العلويين!!
ثم التفت الوزير إلى الجندي وقال له: قل ما سبق أن اعترفت به لدي فقال الجندي: لقد ترددت بضع مرات على ابن أبي الساج في أردبيل أحمل الرسائل المتنوعة من ابن أبى الفرات جاهلا عاقبتها الخطيرة، فهو المسئول عنها وحده، وما أنا غير حامل فدم يتكسب بالمسير والتجول.
دهش الخليفة من هذا الاعتراف الجرئ، وطار شرر الغصب من عينه، وأخذ يصوب