أتيت في كلمتي السابقة على قليل من المآخذ التاريخية التي تورط فيها مؤلف (تاريخ الإسلام السياسي) وقد لحظ بعض الذين قرأوها أنه كان الأفضل ألا أورد هذه المآخذ مسرودة على نحو ما فعلت بل أن أوردها مقرونة بأسبابها الجوهرية. وأجيب عن هذه الملحوظة التي لها وجاهتها العامة بأن من المفيد في نقد كتب التاريخ أن ينصب النقد أولاً على الوقائع مجردة. فإن التاريخ من الناحية التحليلية البحتة يقوم على الوقائع التاريخية التي هي مادته الأولية. وبمقدار تزود المؤرخ من هذه المادة الأولية وتمكنه منها إحاطةً، وتقويماً، وفهماً، تكون متانة أحكامه التي يستنبطها وافتراضاته التي يذهب إليها، والعكس بالعكس. وإذاً فلا بأس أن أمضي في كلمتي هذه في إتمام ما أخذت فيه في كلمتي السابقة من الإتيان على أجسم ما في الكتاب من المآخذ التاريخية، مقفياً على أثر ذلك بإيراد شيء مما وقع فيه المؤلف من الأغلاط الجغرافية، والتاريخ والجغرافيا صنوان مؤتلفان، وهما ظرفا الزمان والمكان لما يسمى بوقائع التاريخ.
قال المؤلف في ص ٣٤٠ في معرض الكلام على الوقعة البحرية العظيمة المعروفة في كتب العرب بذات الصواري:(وفي سنة ٣١هـ نشب القتال بين ابن أبي سرح وبين الروم تحت قيادة ملكهم قسطنطين في البحر الأبيض المتوسط، على مقربة من الإسكندرية، وكان النصر للعرب في هذه الحرب، وقد عرفت هذه الموقعة بموقعة السواري أو ذات السواري) والمؤلف يخطئ هنا من حيث زمان الوقعة ومكانها، فأما من حيث الزمان فالوقعة قد ذكر في المصادر العربية أنها كانت سنة ٣١هـ ولكن هناك رواية أخرى تجعلها في عام ٣٤هـ، وقد ظهر من المصادر اليونانية أنها تؤيد الرواية الثانية، وإذاً يتعين الأخذ بها واطراح الأخرى. وأما من حيث مكان الوقعة فالمصادر اليونانية تعينه فتجعله قريباً من