دار الفلك دورته وتعاقبت الأيام والليالي فنسخ منها الزمن سنة
أخرى؛ ففي مثل هذا اليوم (١٦١) منذ ثلاث سنوات استرد الله
وديعته العالية عندما اقتحم الموت باب عالم مصر الفذ وهو
يرتشف قدحاً من الشاي ويستعد لمواصلة أبحاثه التي لم
تحتجب نورها إلا بموته.
لم يتعب الموت في أن يفك عن روحه قيد الجسد لأن الجسد كان ممزقاً من طول ما أنهكه صاحبه من نضال مر سببه ضمير حي ونشاط جم وذهن موهوب فصعدت روحه إلى ربها في سلام يشبه وميض البرق.
وعند هذا الباب الذي دخله الموت وخرج في ثوان معدودات يقف التاريخ طويلا ليسجل آثاره ومناقبه ومكانته العلمية المرموقة.
كان الفقيد الكريم أول رئيس لاتحاد الجامعة فبث في برلمانه الصغير المثل العليا فتخرج فيه أعضاء عديدون كان منهم الوزراء الصالحون وأعضاء البرلمان المنتجون في برلمان الأمة.
وقد لمست جهده في أولئك الرجال الذين كونهم ووجهم وبث فيهم من روحه.
وكان رحمه الله يرى أن الدراسة الجامعية يجب أن تعتمد على مجهود الطالب في البحث والكلام. وما الأستاذ إلا مرشد وموجه وموضح، لذلك كان الاطلاع هو الطريق الصحيح لميادين العلوم وآفاق البحث والكشف في رأيه؛ فربى في طلبه ملكات حب العلم والتعميق فيه وحب البحث العلمي، وبذلك أخرج للبلاد فيلقا من العلماء الباحثين الذين يطلبون الحقائق العلمية لذاتها. وكثيرا ما سمعته يقول (خير للكلية أن تخرج عالما كاملاً من أن تخرج كثيرين أنصاف العلماء) وكانت خسارته على البلاد في تلك النهضة العلمية التي