أقدم إليك أصدق التحيات، ثم أذكر أن الصحف أخبرتني وأنا ماض إلى الإسكندرية لبعض الواجبات أن معالي وزير المعارف أصدر أمراً بندبك مراقباً للثقافة العامة، فخفق قلبي خفقة الفرح لأمرين: الأول هو الاطمئنان إلى أن للحق دولة في هذه البلاد، فقد كان قيل إنك انسحبت من عمادة كلية الآداب فراراً من المناوشات التي تعترضك من حين إلى حين. وكان قيل إنك طلبت إجازة طويلة تقضيها في جوّ هادئ، وإن معالي النقراشي باشا لم يسمح بذلك، وقد ظهر أنه كان يدخرك لهذا المنصب الرفيع، فكان معنى هذا التلطف أن كفاحك في ميدان الحياة الأدبية يجعلك دائماً موضع الحظوة عند كبار الرجال.
ومن المؤكد أن في الناس من يعترض على اختيارك لهذا المنصب، لأسباب لا تخفى عليك، ولكني مغتبط بما صرت إليه، لأنه شهادة بأن الكفاح له في مصر جزاء، وأنت برغم حسادك من أقطاب المكافحين.
أما الأمر الثاني فهو الاطمئنان إلى أنك أصبحت معنا في وزارة المعارف، وقد كان بيننا وبينك حجاب كثيف هو أشجار حديقة الارمان بالجيزة الفيحاء، فلن تملك بعد اليوم أن تُبرِم وتَنقُض بلا رقيب ولا حسيب كما كنت تصنع في (القصر المسحور): فصر كلية الآداب!
أصبحت معنا في وزارة المعارف، وصار من السهل أن نتعقبك حين نشاء بدون أن نتجشم عُبور النيل فوق جسر فؤاد أو جسر إسماعيل أو جسر عباس.
أتكون جئت وفي يمينك كتابك (مستقبل الثقافة في مصر)؟ إن كان ذلك فاعلم، أيها الأستاذ الجليل، أن هذا الكتاب لا يصلح أساساً لعملك الجديد، فقد ناشه الناقدون ممن كل جانب ولم يتركوا فيه أديماً صحيحاً!