[في وادي الهوى]
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
شدا فوق فرع مورق بلبل الوادي ... فيا حبذا الوادي ويا حبذا الشادي
فقلتُ له زدني بربك أنني ... إلى نَغَمٍ حُلو تُرجعه صاد
وما لحياة بهجةٌ وحلاوةٍ ... إذا كنتَ في وادي الهوى غير غرّاد
أفدني بأسرار المحبة خُبرَةً ... فأنت عليمٌ بالخفي وبالبادي
ضللتُ طريق في هوى من أحبّه ... وإنك في وادي الهوى وحدك الهادي
فقال أتحميني من الموت إنني ... أراه فأخشاه على نبل صياد
توسمتُ فيه الشرَّ لمّا رأيتهُ ... يسدد نحوي السهمَ من عطفة الوادي
فطرتُ بعيداً عنه أهرب واقعاً ... على فَنَنٍ في ذروة الدوح ميّاد
ومن هجمات للغراب شديدة ... يريد بها عن موطني النضر إبعادي
يطاردني في موطني معتمداً ... وما زال فيه واقفاً لي بمرصاد
ينازعني في الشدو حق زعامة ... توراثتها من والديّ وأجدادي
فيهدم عشّي وهو ما قد بنيتهُ ... بنفسيَ من نبتٍ يبيس وأعواد
وماذا من الإجرام كنتُ أتيتهُ ... فيصبح هذا الأسود النحس جلادّي
براني في وادي الهوى اللهُ شاعرا ... فأطرَبَ فيه الزهرَ شعري وإنشادي
وما طال لولا الزهرُ فيه إقامتي ... وما كنت لولا الزهر بالرائح الغادي
لقد كنتُ في الوادي إلى الزهر مُخِلداً ... فهل كان يؤذي ذا جناحين إخلادي
سل الطير بي هل كنتُ في العمر مرّةً ... على واحدٍ منها إلى جانب العادي
وإن أضمرت نفسي على ذي تجاوزي ... من الطير أحقاداً تناسيتُ أحقادي
بلانيَ ربي كل يوم بظالم ... فما القصد من خلقي شقيّاً وإيجادي
ولو كنت ذا ظفرٍ حديدٍ منسرٍ ... تجنبت الغربان بطشي وأرصادي
وإنيَ في الوادي الذي هو معبدي ... بروحيَ للزهر الذي يحتوي فاد
فما أجَملَ الزهرَ الذي هو مشرق ... كنجم بدا في آخر الليل وقّاد
وقل لبني الضاد اجمعوا أمركم فما ... لقوم كسالى نهضةٌ يا بني الضاد