فلما سمعها المعتصم لعبت بارتياحه وحسده بعض من حضر، وكان من جملة من حسده ابن أخت غانم. فقال له: من أي البوادي أنت، قال أنا من الشرق في الدرجة العالية، وإن كانت البادية على بادية، ولا أنكر خالي، ولا أعرف بحالي. فمات ابن أخت غانم خجلاً، وشمت به كلا من حضر. وهذا ابن أخت غانم العالم اللغوي أبو عبد الله محمد بن معمر من أعيان مالقة متفنن في علوم شتى إلا أن الغالب عليه علم اللغة. وكان قد رحل من مالقة إلى المرية فحل عند ملكها المعتصم ابن صمادح، وله تآليف منها شرح كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري في ستين مجلدا. قال ابن اليسع في مغربه أنه حدثه بداره بمالقة وهو ابن مائة سنة وأخذ عنه عام ٥٢٤. . . وغانم خاله الذي يعرف به هو الإمام العالم الأديب أبو محمد غانم بن الوليد المخزومي نسب إليه لشهرة ذكره وعلو قدره. ومن شعر الإمام أبي محمد غانم هذا قوله - وقد دخل يوماً على باديس بن حيوس صاحب غرناطة، فوسع له على ضيق كان في المجلس فقال بديها:
صيّر فؤادك للمحبوب منزلة ... سم الخياط مجال للمحبيْنِ
ولا تسامح بغيضاً في معاشرة ... فقلما تسع الدنيا بغيضين
وقوله:
الصبر أولى بوقار الفتى ... من قلق يهتك ستر الوقار
من لزم الصبر على حاله ... كان على أيامه بالخيار
وقوله في نكبة المعتمد بن عباد:
ومن الغريب غروب شمس في الثرى ... وضياؤها باق على الآفاق