ذلك العبقري المتمرد الذي غنى أروع أناشيد الحرية، ولاقى
الموت في سبيل الحرية
للأستاذ محمود الخفيف
نشأته وطفولته
ستمضي السنون ويبقى بيرون في الغرب كالمتنبي في الشرق يحمل النفوس على الإعجاب به، من أحبه ومن لم يحبه في ذلك سواء. وستظل عبقرية هذا الشاعر الشاب كالشعلة تنتقل من جيل إلى جيل فلا تزداد على الأجيال إلا تألقاً وإيماضاً. وما كان لشعر كذلك الذي جاشت به تلك النفس المتوثبة الثائرة، وغنت به تلك القيثارة الملهمة الساحرة، أن تذهب الأيام بروعته وسحره، مهما تغيرت فنون القول واختلفت ضروب البيان
وما عرفت إنجلترة، بل وما عرفت أوربا كلها شاعراً كاللورد بيرون بلغ في مثل سنه مبلغه من نباهة الاسم وبعد الصيت في القارة جميعاً. وما عرف تاريخ الآداب رجلاً هز عصره هزاً متوالياً عنيفاً كما هز عصره ذلك الشاعر الذي تمرد على كل شيء حتى على نفسه. وما لقي بيرون من الإعجاب الشديد والسخط الشديد. ثم ما أختلف النقاد في رجل اختلافهم في ذلك الذي كانت شخصيته الفذة مجموعة عجيبة من المتناقضات، ذلك الذي بلغ قمة المجد الأدبي وهو في الرابعة والعشرين ثم غيب في لحده ولم يتجاوز السادسة والثلاثين
ولد جورج بيرون في لندن عام ١٧٨٨، أي قبل أن تنبعث الثورة الكبرى في فرنسا بعام واحد، كأنما أراد القدر أن تستقبل هذه النفس الثائرة الحياة في عصر كانت تعصف فيه أنواء تلك الثورة العاتية بأوربا كلها. وكانت الأسرة التي انحدر منها ذلك الشاعر من أعرق الأسر في إنجلترة كلها، فلقد جاء رأسها مع وليم الفاتح عند الفتح النورمندي في القرن الحادي عشر؛ وكان بيرون يفخر أشد الفخر بانتمائه إلى تلك الأسرة حتى لقد قيل إنه كان يزهى بحسبه هذا أكثر مما كان يزهي بأنه مؤلف تشايلد هارولد ومنفرد