في هذه الأيام التي يتفاوض فيها أقطاب العالم لوضع نظام عالمي أو قريب من العالمي، يضمنون به الإشراف على القوميات الختلفة، ووضعها في نظام منسجم متناسق، قد يكون من الطريف أن نشير إلى محاولة لتطبيق فكرة العالمية قام بها صاحبها منذ أثنين وعشرين قرناً أو ما يقرب من ذلك، تلك هي محاولة الاسكندر المقدوني التي أراد به أن ينفذ هذه الفكرة في النصف الثاني من القرن الرابع قبل المسيح.
لم يكن العالم الهلّيني في ذلك الوقت قد اتسع أفقه بعد ليشمل نطاقاً
أوسع من نطاق (المدينة الحرة) الذي نادى به أرسطو في (سياسته)
والذي عبر به خير تعبير عن النظام السياسي الوحيد الذي كان يدركه
العالم الهليني حينذاك.
وإذا كانت بعض المدن الإغريقية قد حاولت أن ترتفع قليلا عن هذا الأفق لتضع نظاماً أوسع، كأثينا التي حاولت أن توجد نظاماً إمبراطورياً تكون هي سيدته، فمع ذلك نجد أنها لم تستطيع أن تمتد بنظامها هذا الجديد لتشمل به شعوباً أخرى غير شعوب العالم الهليني.
فلما ظهر الاسكندر، نظر نظرة أخرى جديدة، وقام بمحاولة بعيدة عن إدراك الإغريق، أراد أن يوجد (دولة) تكون حدودها هي حدود العالم المعروف إذ ذاك، فكيف عمل على تحقيق هذه العالمية، وكيف دبر النظام الذي يستطيع به أن يضمن تناسق أجزائها، وما مدى تأثير الظروف التي أحاطت بالعالم إذ ذاك في هذا النظام، وأخيراً ما مقدار نجاحه في تحقيق فكرته؟
نظر الاسكندر حوله فوجد بين يديه فتوة وقوة يستطيع بها أن يناضل وأن يتغلب، ووجد العقبة الوحيدة التي قد تعترض طريقه، وهي الإمبراطورية الفارسية، قد تفككت وأصبحت على شفا الانهيار، وإذن فليحقق عالية عن طريق إمبراطورية يكسبها بسيفه، وليجمع بين الشرق والغرب في نظام يكون هو على رأسه، وهكذا يسيطر الاسكندر على آسيا الصغرى وسوريا وفينقيا ومصر، ثم يتوغل في آسيا حتى يصل إلى شواطئ المحيط، ويود الوصول