ساقت الأقدار ولاية العهد لإسماعيل فاستبشر الناس وارتقبوا عهد هذا الأمير الذي ذاع من صفاته فيهم ما حببه إليهم، وكانوا قد علموا أنه من ذوي النباهة والحزم وبخاصة في شؤون المال! ولم يطل ترقب الناس، فقد آل إليه الأمر عام ١٨٦٣ م وراحت مصر تستقبل طوراً من أطوار تاريخها، نحار أشد الحيرة ماذا نسميه وبأي الصفات ننعته. . طوراً كان غريباً حقاً، تترك غرابته العقول في دهشة شديدة وتكلف من يريد الإنصاف في درسه عسراً شديداً
ما برحت فرنسا وإنجلترا تراقبان الحوادث في وادي النيل؛ أما فرنسا فكانت لا تني تعمل على أن تزيد نفوذها الأدبي في مصر، ذلك النفوذ الذي وضعت أساسه حملتها في هذه البلاد والذي ما فتئ يتزايد ويعظم في عهد محمد على، وهاهو ذا في عهد إسماعيل قد بلغ غايته حينما اتصل في عهده البحران واستطاع ديلسبس أن يجري بينهما تلك القناة التي سوف تغير مجرى تاريخ هذا الوادي. . وأما إنجلترا فكانت على سياستها تحول دون ظهور قوة في مصر، وقد استراحت من محمد على وراحت اليوم تقف في وجه حفيده وتحرص على أن يظل خاضعاً للخليفة، ولما التقى البحران أصبح همها متجهاً إلى السيطرة على مصر لتسيطر على القناة
وكان شريف من رجال هذا الطور في الصف الأول ولكن كان ذلك من الوجهة الرسمية فحسب، فلقد لبث من عمره سنين لا تحس مصر شيئاً مما ظهر له من خطر في أواخر ذلك العهد. . . شهدت مصر في هذا الطور جلائل الأعمال ومظاهر الاستقلال، كما شهدت عوامل البلى وعناصر الانحلال. شهدت يد التعمير تبعث الحياة والنشاط والقوة في العاصمة وعلى صفحة الوادي؛ وشهدت يد التخريب تهوي بمعولها في غير هوادة أو رحمة