الشعر كالحياة من حيث مظهره ومصدره؛ فهو من حيث المظهر متفاوت التقدير عديد الألوان، ومن حيث المصدر واحد لا يتجزأ ولا يقاس ولا يتنوع. . .
فالحياة في الثعلب هي بعينها الحياة في الأسد؛ ونحن لا نعظم الحياة في الأسد لأنها أشرف وأجمل من الحياة التي تسير الثعلب، ولكن لأنها قد اتخذت لها في الأسد مظهراً واسعاً مكتملاً عريضاً أوسع وأكمل وأعرض من المظهر الذي اتخذته في الثعلب. . .
على هذا القياس الحق، ترانا نفضل هذا الشاعر على ذاك الشاعر، وترانا نستحسن هذا الشعر ولا نستحسن ذاك، ونحن في هذا التفضيل والاستحسان لم نرد إلا أن المظهر الذي ظهر فيه شعر الأول أحسن وأتم وأوسع من المظهر الذي ظهر فيه شعر الثاني؛ أما شعرها من حيث القيمة فهو واحد لا تفاوت فيه. . .
من بين شعرائنا الذين نقدرهم ونستحسن شعرهم، شاعر رقيق رشيق هو الأستاذ علي محمود طه فهو شاعر يسقي قلمه من ينابيع قلبه الجياش بالعواطف، وروحه الهائجة السبوح. وهو شاعر عانقت روحه الكون الجميل، فجاءت أشعاره واسعة متفتحة ناعمة، تسمع فيها دقات أنباض الحياة، وتتنسم منها نسمات الجمال والخلود. . .
وهل أنا أطلب من الشاعر غير هذا؟. . . كفى بالشاعر أن ينقلني من عالمي المادي الحقير، إلى عالم سماوي نضير، تحير فيه أطياف الحسن والسحر والفتون، فأنسى فيه - ولو قليلاً من الزمن - رغبات الأرض وشهوات ابن التراب!! وأنت لو ذهبت تعد شعراءنا جميعاً علك تجد فيهم من يسمو بك إلى عالمه، ويشعرك بالحياة المتدفقة الفائزة مثل هذا الشاعر، ما وجدت - للأسف - غير شاعرين أو ثلاثة على الرغم من وفرتهم وتبجحهم