اتفق العلماء على أن هذا الترتيب إنما يجب التزامه في كتابة المصاحف. أما في القراءة فليس بواجب يدل على ذلك حديث عائشة في البخاري حيث قالت للعراقي الذي سألها عن تأليف القرآن:(لا يضرك أية قرأت). وقد حمله جمهور المحدثين على أنه في القراءة بأية سورة أراد دون أن يلتزم الترتيب. قال ابن بطال: لا نعلم أحداً قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها، بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف. وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوساً، فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها. وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغة في حفظها، وتذليلاً للسان في سردها؛ فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه. اهـ
والآن أعود إلى سبق النزول فأقول: لست في حاجة إلى أن أكرر أن القرآن ابتدأ نزوله من ليلة اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الحادية والأربعين من ميلاده عليه الصلاة والسلام حيث أوحى إليه في غار حراء الذي كان يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، وأن أول آيات القرآن نزلت على النبي الكريم وهو بالغار، وأن آخر آية نزلت يوم الجمعة، يوم عرفة، عام حجة الوداع. يدل على هذا ما رواه البخاري بسنده عن طارق بن شهاب عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود. قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال أي آية؟ قال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً. قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة. ولقد روي البخاري هذا الحديث في عدة مواضع من صحيحه. ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. . . ولم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها شيء من الفرائض ولا تحليل شيء ولا تحريمه. ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة
عن ابن عباس ومجاهد أن سورة (اقرأ) أول ما نزل من القرآن إلى قوله تعالى: (علم