الإنسان ما لم يعلم) ثم نزل باقيها بعد. والجمهور على أن (الفاتحة) أول ما نزل ثم سورة (القلم) وسورة (الضحى) نزل منها أولاً إلى قوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ثم نزل باقيها بعد، ولم ينزل من السور الطوال سورة بتمامها إلا سورة (الأنعام). فقد روي كثير من المحدثين نزولها جملة عن غير واحد من الصحابة والتابعين لأنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال المذاهب التي كذبت القرآن ولم يؤمن أصحابها بالبعث والنشور. وهي من المقاصد الأساسية للدين الحنيف التي لا يتوقف نزول آياتها على السؤال والحوادث أو الأسباب التي تقتضي الإنزال
ولقد رجح هذا المذهب الإمام الرازي في تفسيره الكبير والقرطبي وغيرهما من علماء التفسير، كالكشاف، والنسفي. ولم يضعفه إلا الأستاذ الألوسي في كتابه (روح المعاني) فقد أنكر نزول هذه السورة جملة وقال: كيف يمكن حينئذ أن يقال في كل واحدة من آياتها أن سبب نزولها كذا. . . ولكن إنكار الأستاذ. . . ضعيف لأن ما ذكره الجمهور في أسباب نزول آياتها بعضه لا يصح والبعض الآخر لا يدل على نزول تلك الآيات متفرقة لأن غاية ما قالوه أن تلك الآية نزلت في كذا وكذا أو في قول المشركين كيت وكيت. فإذا صح كان معناه أن تلك الآيات نزلت بعد الوقائع؛ وهذا لا يتنافى ونزولها دالة على ذلك في ضمن السورة. . .
ولقد نزل كتاب الله في تلك الفترة بين مبتدأ الوحي ومنتهاه مفرقاً إلى أجزاء كل جزء منها يسمى نجماً؛ وربما نزلت الآية المفردة وربما نزلت آيات عدة إلى عشر كما صح عند أهل الحديث فيما انتهى إليهم من طرق الرواة. فقد نزلت عشر آيات في قصة الإفك جملة، ونزلت عشر آيات من أول المؤمنين جملة، يدل على نزولها جملة ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عمر بن الخطاب قال: كان إذا نزل على رسول الله الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: (اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا) ثم قال: لقد أنزل الله علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة. ثم قرأ:(قد أفلح المؤمنون) حتى ختم العشر. . . وصح نزول (غير أولي الضرر) وحدها، يدل على ذلك ما رواه البخاري في كتاب الجهاد من حديث البراء بن عازب قال: لما نزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين)