ازدهرت الدولة الفارسية في عهدين من عهودها التاريخية المهمة: العهد الأول، أيام سابور المعروف بـ (ذي الأكتاف)؛ والعهد الثاني، أيام الملك العادل كسرى انوشروان. فقد تنازع هذا مع ملك روما الذي كان العدو الأول للفرس وأول منافس لكسرى. وقد حاربه وتغلب عليه في عدة مواضع بعد أن واصل هل زحف جيشه إلى مجاهيل أفريقيا واليابان والصين والروس فأصبحت إمبراطوريتهم من أعظم إمبراطوريات العالم.
وكانت عاصمة ملكهم (طيسبون). وذلك أيام الملوك الساسانية وكثير ممن سلف من ملوك فارس الأولين. وتقع هذه المدينة في الجانب العربي للمدائن من أرض العراق، ولكن سابور بن هرمز حول العاصمة إلى الجانب الشرقي من المدائن، وسكن هناك بعد أن بنى الإيوان المعروف بـ (إيوان كسرى) لهذه الغاية. . . وإنما سمي الإيوان باسم كسرى دون أن يسمى باسم بانيه سابور لما أدخل عليه الثاني من محسنات كثيرة في هيكلة كالزخرف والنقش وإقامة التماثيل بعد أن أتم الأماكن الناقصة من بناء هذا الإيوان، إذ لم تتسن لسابور إتمام بنائه قبل موته.
والإيوان ينبئنا عما وصلت إليه الحضارة الفارسية من تقدم ورقي وازدهار. وفي ذلك يقول الخطيب البغدادي في وصف المدائن:(لم تزل المدائن دار مملكة الأكاسرة ولهم بها آثار عظيمة وأبنية قديمة منها الإيوان العجيب الشأن. لم أر في معناه أحسن منه صنعة ولا أعجب منه عملاً) وقيل إنما سميت هذه المدينة بالمدائن لكثرة ما بنى بها الملوك والأكاسرة وما أبقوا فيها من الآثار وهي على جانبي دجلة شرقاً وغرباً ودجلة تشق بينهما.
ومن أهم الأسباب التي دعت ملوك فارس إلى جعل عاصمتهم في المدائن موقعها الجغرافي الحسن وهواؤها الطيب النقي وتربتها الصالحة وماؤها العذب. ويقال - في هذا الصدد - إن الإسكندر المقدوني نزل المدائن وسكنها بعد أن جال في ربوع الأرض وبعد أن وطئ السهل والجبل فلم يختر منزلا من منازل العالم التي رآها وفتحها سوى المدائن. وقد بنى بها مدينة عظيمة وجعل عليها سوراً أثره واضح حتى وقتنا هذا. إلى أن توفي فيها وحمل تابوته إلى الإسكندرية؛ لأن أمه كانت مقيمة هناك ودفن عندها.