للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جهاد شعب مصر في سبيل حقوقه في القرن الثامن]

[عشر]

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

ألف الأستاذ محمد كتاباً أسماه (سيرة السيد عمر مكرم) نتبع فيه تاريخ الحركة القومية في مصر منذ القرن الثامن عشر وتناول سيرة (السيد عمر مكرم) زعيم مصر إذ ذاك، وأوضح فيه سعي مصر إلى الحرية والاستقلال في فجر العصر الحديث، وبين أن الروح القومية والتطلع إلى الحرية كانا قويين منذ القرن الثامن عشر

والكتاب تحت الطبع، وسيظهر قريباً، وهذا الفصل الممتع من ذلك المؤلف القيم:

ولم يكن صوت المصريين داوياً في مجتمعات الديوان وحدها، بل كان للشعب منافذ أخرى يعبر بها عن أرادته ويردد منها شكواه ويرسم بواسطتها أمانيه ومثله العليا، فأن بعض المتكلمين من الوعاظ الذين كانوا يتعاقبون في تلك العصور كانوا بمثابة الصحفيين يعقدون مجالسهم في المساجد فيلقون فيها دروساً في معاني العدل وواجبات الحكام وحقوق المحكومين، ويدسون في خلال تلك الدروس نقدات للحكام لا يخشون منهم غضباً ولا يتوجسون منهم خوفاً، وكان بعض الحكام يضيق بنقدهم؛ ولكنهم كانوا في أغلب الأحوال يتركونهم آمنين أحراراً لا يقيدون ولا يعاقبون على ما يصدر عنهم من النقد. وكان نقدهم في كل الأحوال نقداً عالياً نبيلاً يقصدون به تصوير المثل الأعلى للحكم، ويدعون فيه إلى العدل وأداء الواجب. والعل أول من نبغ من هؤلاء الوعاظ هو الشيخ الحفني الذي كان يعاصر ملك مصر العظيم علي بك الكبير. وهو محمد بن سالم الحفناوي أو الحفني الحسيني نسباً وكان زاهداً ورعا كريماً كثير البذل للفقراء. واتخذ سبيل الدعوة إلى الخير على طريقة صوفية اسمها الطريقة الخلوتية وكثر اتباعه واعتقد فيه الناس اعتقاداً كبيراً سواء في ذلك العامة والخاصة، حتى قال عنه الجبرتي صاحب (عجائب الآثار): (أنه كان قطب رحى الديار المصرية لا يتم أمر من أمور الدولة إلا باطلاعه ومشورته)، وكان لا يتردد في إبداء نصحه صريحاً قوياً وإن كره أهل الحكم رأيه وصراحته وكان الشيخ الحفني فوق هذا عضواً في ديوان الحكومة يمثل الشعب المصري مع جماعته من إخوانه تمثيلاً رائعاً، حتى كان علي بك الكبير على شدته وقوة ملكه لا يستطيع مقاومته ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>