للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

خطة إعداد النشء

كنا ضيفاً على بحر الروم، وكانت (للنيل) موضع رعاية الأمواج البيض القِصار وهُنَّ صواحب بطشٍ في غالب الأمر وأكثر الحال

جلس قوم بعضهم إلى بعض يتحدثون عند صدر الباخرة (أو مَرنَحتِها، كما كانت العرب تقول)، على عادة الذين يجتمعون في رحلة: معرفة مستطرفة أو لقاء على غير وعد. وانطلق الحديث في شؤون مصر؛ وركزه من ركَزَه في وجوه الإصلاح، حتى انساق إلى قصة التعليم وتنشئة أبناء الأمة. وإذا رجل، خافض صوته، قاصد في الإشارة، يندفع في حديث انعطفت إليه أذني. قال:

(ما أظن أحدكم يشك في أنّ وجهة التعليم الغالبة عندنا إنما هي إخراج كتبة وموظفين. وأما علة ذلك فكذا وكذا من الأمور المتصلة بالسياسة المفروضة أول الأمر، يوم كنا لا نملك لأنفسنا من النفع شيئاً. ثم ذهبت العلة الأولى، ولكن الآثار بقيت من طريق تسلط العادة وتجمد المنهج. ومن هنا اختل التوازن: تكسرت القيود الاجتماعية، فانفسحت مسالك الحياة وانبسطت مرافق العيش - والمدارس لا تنفك تخرج طوائف متماثلة من بغاة الرزق الهيِّن، لفتور في عزماتهم، وقصور في مداركهم. ذلك الرزق الذي تناله وأنت جالس إلى منضدة عليها ركام من الملفات والأضابير، فلا طموح ولا اعتماد على النفس ولا رغبة في التميز عن النظراء باقتحام باب من أبواب الاحتراف الصعب، وشق أفق من آفاق الارتزاق. . .

(بقيت هذه الآثار، على سعي أولى الأمر في محوها. وسبب ذلك أن الإصلاح، في مثل هذه الحالة لا يكون من باب التصور والتخيل. وشتان ما الإزماع والإنجاز. فعلى المشرف على التعليم أن ينظر في وجوه الحياة ويتتبع موارد الكسب. والحياة تقوم، أول ما تقوم، على المادة؛ وموارد الكسب إنما هي السوق على تفاريقها وتفاريعها. وهكذا تصح الوجهة إذ تعلم المقصد.

(وإذا قلت السوق عنيت التجارة والصناعة والزراعة، وما ينطوي تحتها جميعاً أو يأخذ مأخذها. والمدارس المصرية التي تعلِّم هذه الفنون الثلاثة قليلة، ونسبتها إلى المدارس التي تخرج الكتبة والموظفين حقيرة. ومن هنا ترى أن التوظف في مصر سيعاني ما يقال له:

<<  <  ج:
ص:  >  >>