(التضخم) من وجهٍ، ويعجز عن ضم جميع طلابه من وجهٍ آخر. وينشأ عن هذا أمران: الأول بقاء سلطان الموظف البليد الحركة، والثاني البطالة. وينضاف إلى كل ذلك أن مرافق الحياة الاقتصادية مصيرها الانحلال أو تخرجَ من قبضة المصري إلى الأجنبي، بل قُلْ: أو تبقى في قبضة غير المصري.
(ثم إنه يحسن بنا أن نفسح من مجال السوق نفسها، فنشق سبلاً جديدة ثم نُعدّ لها الناس في المدارس؛ ولا يكون إلا بمعاونة وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة. وعلى هذا النحو نمطّ دائرة الحياة الاقتصادية ونوزّع همم النشء، فلا تنحصر وجوه النشاط في مصارف معلومة مربوطة، ولا تنقلب المنافسة إلى مناوأة. وفي ذلك كله أسباب غنى للبلد فضلاً عن استغناء.)
قال الرجل مقاله السديد، ثم نهض ونهضنا إلى الغداء فملت إلى صديق لي فسألته: من الرجل؟ فقال: الدكتور السنهوري. واتفق لي أن جلست إليه بعد ذلك، فإذا هو على أوفر علم وألطف أدب.
وجمعني بالسنهوري بك مجلس جِد، لأسبوعين مضيا. وجرى الحديث على خطّة وزارة المعارف في التعليم. فنطق الدكتور السنهوري - وهو الآن وكيل الوزارة - بما كان نطق به و (النيل) تحملنا إلى شواطئ أوربة. فأيقنت أن هذه الخطة مما ظفر بالرؤية والتثبت؛ فما هي بالمرتَجلة ارتجالا ولا المبتدعة بحكم العمل.
وقد بدا لي أن أسأل وكيل الوزارة في شأن الثقافة، وما تكون حالها إذا هو صرف همه إلى وجوه الحياة الاقتصادية. فقال: إني أدرك ما وراء سؤالك من القلق لأحب الأشياء إليك وأعلاها عندك. فلا عليك، لا عليك! إن الثقافة لا تزال موضع عناية. على أننا لابد لنا من السهر على مستقبل العيش من بسط مرافق الحياة المادية وإعداد النشء لها. هنا سهر وهنالك عناية؛ والتفاوت بينهما في الدرجة، لا في المرتبة، على قول الفلاسفة
قلت: لأهل الثقافة إذن أن يرقبوا الإصلاح هنالك. فهل تنظر الوزارة في إخفاق المعهد الملكي للموسيقى العربية، وتراجع طريقة إنشاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية، وتسال كلية الآداب عن صحة ما يقال فيها، وتردّ بعض كبار موظفيها عن الاستبداد بتقرير الكتب، وتجعل لتصرّف بعضِ موظفيها من الأجانب حداً واجباً (فلا تعود قصة (نفائس دار الآثار