تشهد معظم العواصم الأوربية منذ اشهر فترة غير عادية من النشاط السياسي؛ وقد تحول هذا النشاط منذ مأساة مرسيليا التي ذهب ضحيتها الملك اسكندر ملك يوجوسلافيا ومسيو بارتو وزير الخارجية الفرنسية، إلى نوع من الحمى الدبلوماسية وتلوح اليوم في أفق السياسة الأوربية سحب كثيفة تثير الجزع في كثير من العواصم والأمم. ما الذي سيعقب مأساة مرسيليا من الحوادث والتطورات سواء في يوجوسلافيا ذاتها أم في أوربا بصفة عامة؟ وهل يكون السلم في خطر حقيقي؟ وهل نشهد اليوم مقدمات أزمة دولية مستعصية قد تفضي إلى نشوب الحرب؟ هذه الأسئلة الخطيرة تتردد اليوم في جميع دوائر السياسة العليا لا على إنها هواجس واحتمالات بعيدة الوقوع ولكن على إنها فوض حقيقية خطيرة يجب التحوط لها
وقد لوحظ بحق أن للجريمة السياسية شأناً كبيراً في إثارة هذه السحب التي تحلق اليوم في أفق السياسة الأوربية فمنذ اشهر قتل مسيو دوكا رئيس الوزارة الرومانية فترتبت على مقتله صعاب وأزمات ما زالت رومانيا تعاني من أثرها. وفي أواخر يوليه الماضي قتل الهير دولفوس رئيس الحكومة النمساوية في ظروف وحشية فأثار مقتله أزمة سياسية خطيرة لا في النمسا وحدها ولكن في أوربا الوسطى كلها وذهبت إيطاليا في إجراءاتها وتحوطاتها لصون استقلال النمسا من اعتداء ألمانيا وعمالها المأجورين إلى حشد الجنود على حدود النمسا الجنوبية، ولاح شبح الحرب واضحاً مدى حين. ثم كان مقتل الملك اسكندر ومسيو بارتو أخيرا في مرسيليا فبدت الأزمة الأوربية في أروع مظاهرها، وتجددت نذر الخطر وأحاديث الحرب ويخشى المتشائمون أن يكون التاريخ إنما يعيد نفسه وان تكون مأساة مرسيليا قرينة مأساة سيراجيفو ونظيرتها في الظروف والنتائج. والحقيقة أن مؤرخ الحرب الكبرى لا يسعه إلا أن يعتبر مأساة سيراجيفو من أهم العوامل - الظاهرة على الأقل - في إثارة الحرب فقد اتخذت إمبراطورية النمسا والمجر مقتل الأرشيدوق فرنزفردينند وقرينته في سيراجيفو في ٢٨ يونيه سنة ١٩١٤ بيد طالب سربي سبباً لاعتبار حكومة سربيا مسئولة عن الجريمة مباشرة ومطالبتها في بلاغ نهائي بمطالب