للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عود إلى التفاؤل والتشاؤم]

للأستاذ عبد الرحمن شكري

قلت إن الشاعر أو الناثر لا يحكم عليه ولا يقال إنه متفائل أو متشائم بما يقوله في حالات نفسه العارضة المتغيرة، لأن كل نفس تفيض بالسرور والأمل تارة، وتنقبض بالحزن تارة، والنفس التي لا تستطيع إلا السرور في موطن الحزن إنما هي كالأبله الذي لا يستطيع إلا الضحك، وحالة هذا ليس فضيلة ولا قوة.

وقد يتاجر بعض تجار الأدب باسم التفاؤل، وإنما تفاؤلهم سلعة مغشوشة وعملة زائفة يريدون أن يربحوا بها الحمد والثناء، وأن يغروا بها الناس؛ وهذا التفاؤل أيضا ليس فضيلة في النفس، بل هو نقيض الفضيلة، وإنما يحكم على القائل بما يقوله في وصف أمله في الحياة، وحثه إلى المُثل العليا، وما يقوله في تمجيد جهود الناس فيها كما في قصيدة: (أبناء الشمال) أو (شهداء الإنسانية) أو (إلى المجهول) أو (الباحث) أو (قو الفكر) أو (العصر الذهبي) أو (الحق والحسن) أو (النشوة والارتقاء).

ويحكم عليه أيضا حكماً صادقاً إذا نظر الناقد فيما قاله القائل في وصف محاسن الحياة والأرض والكون؛ فإذا استطاع أن يُجمل الحياة بقدرة فنه على وصف آيات الكون والطبيعة، لم يستطع الناقد أن يقول إن التشاؤم غالب عليه، ولا أدري كيف يستطيع ناقد أن يقول هذا القول إذا قرأ لي وصف محاسن (الصحراء). . . حتى الصحراء تجد فيها النفس، وفي مظاهرها المختلفة محاسن. . . وقصيدة: (البحر). وقد نشرت في الرسالة أيضا وفيها وصف تلون البحر وتغير مناظره ووصف جزره:

ومن جزر مثل الجنان مضيئة ... كأن جهلتها الصائلات الدوائر

ووصف (عيون الندى):

فليس عيون الغيد أشعلها الصبي ... بأحسن في لألائها حين تعطف

ووصف الربيع في قصيدة (الفصول):

أهواكِ يا روح الربيع فهيئي ... جسماً كجسم الغيد في لألائهِ

ووصف النهر المترقرق في قصيدة (على بحر مويس):

عهدتْهُ في صيفه لؤلؤاً ... لو أَنَّ للؤلؤ سيلا يسيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>