للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

أرقام وأصفار

في خطبتي التي نشرت في (الرسالة) عن (الهدف الأدبي للموسم الثقافي) عبارات لم ألقها في حفلة الافتتاح لأنها لم تكن تناسب المقام، ولكل مقام مقال، وهي العبارات التي تشكك في قيمة التضامن وتجعله سناد الضعفاء

فأين وجه الحق فيما قلت؟

لقد وفقت إلى عبارة طريفة حين سألت: (وهل تتجمع في الدنيا أمة كما تتجمع أمة النمل؟) ولكن هل يكون معنى هذا الكلام أن النمل أمة ضعيفة، لأنها لا تبني المعاقل والحصون في حدود ما نتصور، ولا تزحم البحار بالغواصات والأجواء بالطيارات؟

لقد وقعت في خطأ فظيع، فأمة النمل في تكوينها المرسوم أمة على جانب من النظام، والنظام هو الذي حماها من الانقراض، ومن آيات النظام عند أمة النمل أنها لا تفرق بين النهار والليل، فهي تشتغل بالنهار والليل، وقد جربت ذلك بنفسي

أترك هذا وأنتقل إلى مسألة الأرقام والأصفار، وهي مسألة لم يخلُ كلامي فيها من اعتساف. فهل من الحق إنه يجب أن يكون الناس جميعاً أرقاماً لا أصفاراً؟ وكيف وأنا نفسي اعترفت بأن الصفر تكون له قيمة حين يضاف إلى الرقم الصحيح؟

إن المسألة المطلقة لم تتحقق ولن تتحقق، لأنها ضلال في ضلال، ولأنها لن تكون إلا باباً من الانحلال، فالناس يختلفون كما يختلف الشجر والنبات لغاية حقيقية هي الترابط بين أجزاء الوجود، وكما تختلف المسامير التي تربط أجزاء السفين

وإذن يكون الرأي أن نقرر أن للصفر قيمة، على شرط أن يتجنب الانحراف، فيكون على اليمين لا على الشمال

لو وقف كل مخلوق في الموقف الذي يأمر به العقل لظفر بالقيمة الحقيقية لوجوده الأصيل. وأين العقل الذي يأمر الصفر بأن يكون على الشمال؟

في مقدور الصفر أن يكون أكبر من بعض الأرقام إن راعى الواجب، ولهذه الكلمة الأخيرة تفسير أو تفاسير قد نتحدث عنها بعد حين.

زكي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>