ها أنتم أولاء تمرحون وتلعبون، تستنشقون عبير الأزاهير والرياحين من الرياض وبين الفياض، وتستبدلون كما تشاءون مكاناً بمكان، وتستلذون طيب العيش، وتسكنون بيوتاً جعلتموها كما تريدون، وتستطيبون ألوان الراحة ومباهج الحياة، وترقبون شؤون دنياكم في رغبة ونشاط ونظام، وقد تصعدون إلى السماء فتطيرون تقضون مآربكم عجالاً - وهكذا تروحون وتغدون، أحراراً صحاحاً خفافاً كراماً. . .
جعل الله أيامكم كلها هكذا دواماً
والآن. ألا تقفون قليلاً!
نعم قليلاً. سائلوا ذلك الذي يناديكم، فإنه لا يبغي منكم تغييراً وتبديلاً، وإنما يطلب لكم صحة وسلاماً، ثم يهمس في صوت خافت لين صريح ساذج. . .
أيها الأصحاء! زوروا عيادات الأطباء. . .
زوروها واجلسوا في ركن منها هادئين
اذهبوا إليها في ساعة تختارونها، ولتكن هي الساعة التي تحارون كيف تقضونها. . . تلك الساعة التي تتكرر كثيراً وكثيراً لذوي الوفرة في الجاه، والوفرة في الفراغ، والوفرة في المال
هنالك في تلك الساعة تعلمون أن المرض شيء من الحياة، وأن في العالم مرضى، وأنكم أنتم الأصحاء. . .
فإذا جاءكم الطبيب يسألكم عما تشكون وما تريدون، فقولوا له القول الصريح، القول الصحيح - (إنما نحن أصحاء، جئنا إلى هنا لكي نبقى أصحاء، وأنا لا نشكوا مرضاً ولا نريد شيئاً كما لا نريد أن نشكوا شيئاً أبداً)
ثم تحولوا قليلاً، وزوروا المستشفيات والمصحات، لا تسألوا المرضى عن أمراضهم، ولا الأطباء عن مرضاهم، ولا الممرضات عن أعمالهم، ولكن انظروا إلى المرضى في حالاتهم، ولاحظوا يقظاتهم ورقداتهم، واسمعوا في صبر آهاتهم وأناتهم. راقبوا في عطفٍ أهلهم وزوارهم. انظروا إلى طعامهم وشرابهم ولباسهم، ولا تنزعجوا خائفين، ولا تسرعوا