كتبت في العدد (٩٠٦) من الرسالة الغراء نداء إلى حضرت الأساتذة الأجلاء عمداء الكليات بالجامعات المصرية وهيئة التدريس بها، أستفتيهم في أمر رجل ليس مغموراً ولا نكرة ولا متخلفاً في ركب الحياة، تخرج في مدرسة المعلمين العليا حين تخرج فلم يدع العلم ولا الصرف عن الكتاب ولا اطمأن إلى فتور النفس، فأصاب ثقافة عالية أخرى نالها في طول ما قرأ ومن طول ما أطلع. وعاش حيناً من الدهر يرسف في قيود الوظيفة، ثم ضاق بالوظيفة أو ضاقت هي به، ولكنه لم يرد أن يبطل ترفعاً منه وأنفة، ولا أن يسكن إلى حياة الريف خشية أن يصيبه الجمود الذي يقتل العقل أو أن يعصف به الفتور الذي يمسح على الذكاء، فتقدم إلى كلية عملية من كليات جامعة فؤاد الأول، يطمح أن يكون طالباً بين شبابه على حين قد طوى عمر الشباب، وعلى حين إنه يعلم طول الشقة وبعد الغاية وصعوبة المرتقى، غير أن في النفوس الكبيرة الوثابة طمعاً ما يهدأ أبدا، وان فيها أملاً مشبوباً ما يفتر. وجاء - بعد أيام - رد (المسجل) يقول الرجل (. . ونأسف لعدم إمكان قبولكم بالقسم المذكور إذ أن القبول به قاصر على الطلاب الحاصلين على شهادة التوجيه (كذا).
وخيل للرجل إن (المسجل) لا يملك أن يرد طلبه، فالمسجل في ظن الرجل - موظف يغله قانون وتقيده لائحة، فهو لا يستطيع أن يبت في أمر برأي إلا أن تسنده مادة من قانون، أو يدعمه بند من لائحة، فكتب الى عميد الكلية ينشر امامه الخبر كله عله يجد الرأي الذي غرب عن (المسجل) أولاً فيسمع حكم مجلس الكلية. . كتب الرجل الى العميد وفي رأيه أن عميد كلية من كليات الجامعة ليس سوى رجل علم وأدب واجتماع: يبذل من عقله للعلم ويبذل من قلبه للأدب ويبذل من نفسه للجماعة، وأنه ليس موظفاً كبيراً في ديوان من دواوين الحكومة تبطره النعمة ويغره المنصب كلما ذكر تاريخه يوم أن كان موظفاً حقيراً، يوم أن كان ملقى في ناحية من الديوان ولكنه تسم إلى ذرى المنصب العلمي الخطير يوم أن تسنه بقوة العلم الذي يرفع النفس عن الصغار ويسمو بالروح عن الإسفاف ويصفى الخاطر من الخبث، فهو رجل ارتفع بكبرياء العلم الذي لا تستر له زينة الحياة ولا يستهويه ألق النجاح ولا يفته بهرج المنصب. كتب الرجل الذي تعلم العلم والأدب إلى (صاحب