السعادة) عميد الكلية. . . كتب وإن زيف اللقب لا يكاد أن يسمو إلى موطئ قدميه، وإن طنين الرتبة لا يكاد يبلغ مسمعيه، ثم هو رجل يترفع بنفسه أبدا عن أن يتطامن للجاه أو يتصاغر أمام المال. . . كتب إلى عميد الكلية وفي خياله أن عالماً يتحدث الى عالم، أو أن أدبياً يكتب الى أديب، أو أن عقلاً يحدث عقلاً، أو أن رأياً يخاطب رأياً. . . ولكن. . .
ولبث الرجل أياماً ينتظر رأي العميد، ولكن العميد كان قد أخذته روعة المنصب فعز عليه أن يتنزل الى مستوى الناس، وغره جاه الوظيفة فاصم أذنيه، وصرفته رئات اللقب فلم يلق بالا لأمر، ونسى العميد أنه رجل علم أدب واجتماع، يجب أن يبذل من عقله للعلم وأن يبذل من قلبه للأدب وأن يبذل من نفسه للجماعة. لقد امسك العميد عن أن يقول كلمة واحدة في أمر ذي بال. ولست أدري أكان ذلك سهواً منه أم إغفالا أم امتهاناً لشأن الرجل الذي لم يعرفه بعد. . . أو أمله تلبث طويلاً ينتظر أن يتوسل إليه الرجل بواحد من العظماء كرأيه - أو من ذوي الجاه والسلطان ليكون له على الرجل فضلان، ولكنه غاب عنه أن في العلم ترفعاً يأبى أن ينحط وأن به كبرياء لا يتصاغر أبدا.
وجاءني الرجل يشكو الكلية التي أغفلت رسالتها الجامعية ونسيت روحها العلمية.
قال الرجل (ولبثت أياماً أنتظر رأي العميد، ولكن العميد كان ذا مال وثراء فشغله بريق المادة على أن يخلص للعلم وحده)
قلت (إنك تتجنى على أساتذتنا وهم قادتنا إن حزب الأمر وهم منارتنا إن غرب الرأي).
قال الرجل (حاشا أن أفتت أو أتجنى. وأعجب العجب أن يتراءى العميد العالم نفسه موظفاً كبيراً ذا خطر وشأن فتأخذه - من ناحية - غطرسة المنصب وعزة الرتبة، وأن تشغله من ناحية أخرى دواعي الحياة وترف العيش على أن يصبر على مشقة العلم).
قلت (إن في نفسك - يا صاحبي - ثورة جارفة فهدئ من روعك).
قال (فماذا تقول أنت إن عرفت أن العميد قد بلغ أكبر منصب علمي في الشرق دون أن يشارك في النهضة العلمية ببحث علمي عالمي واحد يشفع له؟ وأنه قد فاز بأكبر لقب في الدولة دون أن يشاطر في النهضة الوطنية الكبرى بعمل واحد كبير يشهد له؟).
قلت (إن عبقريته السامية هي التي دفعته ليتسم الذروة التي تقصر دونها همة العباقرة الأفذاذ).