للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تأملات في الأدب والحياة]

للأستاذ إسماعيل مظهر

الثقافة التقليدية:

في مقالات بعنوان (التعليم والحالة الاجتماعية) نشرتها في الرسالة الغراء منذ حين، روجت لنظرية استخلصتها من تاريخ الأمم ودعوتها نظرية (الثقافة التقليدية). ومؤدى هذه النظرية أن لكل أمة من الأمم ثقافة مأثورة تنتقل على الزمن من أهل إلى أهل، وتتوارثها الأمم طبقة بعد طبقة، وأن الثقافة التقليدية الخاصة بكل أمة من الأمم أو سلالة من السلالات، لها من الأثر في الحالات الاجتماعية، ما للصفات الوراثية الحيوية من الأثر في الأفراد، وأن شباب الأمم من حيث القدرة على الرقي والاحتفاظ بالصورة من المدنية تلائم مقتضى البيئة والظروف القائمة من الدنيا الحافة بالأمم، إنما يرجع في الحقيقة إلى استمساك الأمة بثقافتها التقليدية واتخاذها أصلا ثابتاً يغرس فيه ما ينتحل من ثقافات الأمم الأخرى، فتتكيف هنالك المبادئ المنتحلة، تكيفاً ملائماً لطبيعة ما توارث الأمم من مأثور ثقافتها التقليدية. وبذلك تحتفظ الأمة بطابع خاص وتجري تطوراتها الاجتماعية والعقلية والنفسية على قاعدة ثابتة وأسلوب راسخ، فتأمن بذلك شر الفورات الفجائية والثورات المجتاحة والكوارث الاجتماعية المفنية، ويكون لها من مجموع ما حفظت من مأثور أسلافها ضابط يضبط نزوات الأفراد، ويهيئ المجموع بعقلية ذات طابع تقليدي تكون لها بمثابة الكَمَّاحة التي تصدها عن التورط في نواح غير مضبوطة المعايير، أو التعلق بأذيال فكرات ومبادئ مريضة المنطق، بعيدة عن حاجاتها الأولية التي تضمن لها الاتزان والتعقل في طريقها إلى أسمات جديدة من المدنية أو الرقي العقلي.

ولقد أردت بهذه النظرية أن تكون أساساً لسياسة التعليم في مصر، فنتخذ من الأصول التقليدية التي قامت عليها المدنيتان العظيمتان، مدنية الفراعنة في مصر، وأساسها الزراعة والقوة الحربية ومدنية العرب وأساسها الإسلام والأدب العربي، منارة نستشرف منها ما نحتاج من مبادئ عامة فنحور من برامجنا التعليمية وخططنا الثقافية بما يلائم طبيعة التقاليد المأثورة عنهما، ذلك بأن الثقافة التقليدية في نفسية الأمم وعقلياتها بمثابة الصفة الوراثية في الفرد، لا تنفك الأمم عن الأولى أو ينفك الفرد عن صفة تلقاها عن أسلافه

<<  <  ج:
ص:  >  >>