لله هذا القلم الذي تقلبه أناملك فيسطر كلمات هي في أغوار القلب أنغام وألحان. . . فيها الشجن العارم والحزن المقيم، وفيها الحنان الشفيف والأخوة المتسامية، وفيها الإنسانية تحلق في أجواء مترعة من الأفكار وعالم حالم من الصور؛ هنالك حيث يلتقي الناس اخوة. . . وتتناجى الأرواح في همس.
كم حلقت بي كلماتك النابضة التي تتنفس على صفحات الرسالة والتي قرأتها اليوم. . . تلك القصة الرائعة التي سجلها قلمك الحي والتي أعجب أنك إنما صنعتها من كلمات وكلمات فقط. نعرفها جميعاً ونقرؤها كثيراً، ولكنها تتجمع هنا وتتآلف لتكون لحناً وتصوغ سمفونية خالدة!
قصة الدموع التي شابت؟! كم حركت الشجن في صدري، وكم أثارت كوامن الحزن في نفسي. . . نفسي التي عرفت الحزن وألفته وهامت به، الحزن الذي يصقل النفس، ويبلور العواطف، ويجنح بالفكر إلى العلو. .
هذا الصديق الذي كان لحناً توارى بين فجاج الصمت، وكان حلماً تبدد على صيحة مفزعة لملك الموت. . . هذا الإنسان الذي عاش في حساب الزمن سنوات قلائل، وعاش دهراً في حساب التجارب والمحن. . هذا الإنسان الصديق، الذي لم أره من قبل أريد يا سيدي الكتاب أن أعرفه.
اكتب لنا قصته فهو أولى الناس بأن تكتب عنه. لا تهب يا سيدي نبش القبور، ولا تتردد في تقليب الذكريات ومبعثها من مأواها الأخير، الغائر في أعماق الصمت. . فقد مات الإنسان ولا أحد يعرفه، عاش مغموراً ومات كذلك. ذهبت الأنات لم تصل إلى أذن، وتبددت الزفرات لم يشعر بها إنسان إلى أنت. . لقد ثوى الجسد في القبر وأصبحت الذكريات ملكاً للإنسانية الهائمة على مسرح الأرض. ونحن بغير تجاربنا ندور حول أنفسنا. نبدأ ثم نعيد، مغمض الأعين، مغلق السمع، مطموس الحس. . فاكتب عنه يا سيدي على ضوء تلك الرسائل التي بعث بها إليك، فإنك إذ تفعل إنما تضيف إلى تجارب. وإلى