وبعد، فقد فرغنا في الكلمات السالفة من الحديث فيما هو (بين الرافعيّ والعقاد)، ممّا جاء في كلام الأستاذ الفاضل سيد قطب. ثم رأينا الأستاذ يبدأ ضرباً من القول هو إلى رأيه في كلام الرافعي وحده، ليس يدخله ذكر العقاد إلا قليلا. وقد كان بدء حديثنا محدداً بالرافعي والعقاد معاً. فنحن نرى أن عملنا قد انتهى إلى نهايته في هذا الغرض من القول، ولذلك ليس يضيرنا الآن أن نسكت إلى حين يفرغ الأستاذ سيد قطب مِمّا يسر الله القول فيه مما يسميه نقداً
وأول ما يجب علينا أن نقوله للأستاذ الفاضل بعد الذي كتبناه أنه يسيء بنا الظنّ بلا دليل ولغير عِلّة. يتزّعم أن في حديثنا (غمزاً ولمزاً وتعريضاً به) وكذا وكذا، ونحن نكرم أنفسا وقلوبنا وضمائرنا وألسنتنا عن هذه الضرب من القول، ولو أردناه لمضينا على عادتنا من التصريح دون التلويح، ولقلنا له من القول ما هو حق لا كذب فيه. . . حق يدافع عن حقيقته بالبيان والحجة والوضوح، والأدب الذي يعفُّ عن دنيَّات المعاريض وسفاسف الأخلاق
وليعلم الأستاذ قطب أني أحببت لا أغُلو، ولا أتجاوز حد الحب الذي يصل القلب بالقلب، ويمد الروح بالروح، ويجعل النفس في فرح متصل بسببه، أو حزن آت بعلته، فهذا أخلق الحب أن يخلو من سوء العصبية، وفساد الهوى، وقبح الغرض. فلا يجدني أرفعُ الرافعي عن الخطأ، ولا أجله عن الضعف، ولا أنزهه عما هو عمل كل إنسان حيّ ناطق يأمل ويتشهى. مما يسمى بأسمائه حين يعرض ذكره. وفي كل أحد ممن خلق الله على صورة (الإنسان) ضروب من الشمائل والسجايا والأخلاق والآداب، ليس يطلع طِلعها جل جلاله، وربّ رجل صاف كنور الفجر يخبأ من ورائه مظلمة من سواد الليل
ولقد عرفنا الرافعي زمناً - طال أو قصر - فأجبناه ومنحناه من أنفسنا ومنحنا من ذات نفسه، ورضيناه أباً وأخاً وصديقاً وأستاذاً ومؤدباً، فلم نجده إلا عند حسن الظن به في كل أبوّته وإخأبه وصداقته وأستاذيته وتأديبه. ولقد مات الرافعي الكاتب الأديب وهو على