حملتني الظروف الراهنة على أن أقف من هذا الكتاب موقف الدارس الناقد، وقد وقفت منه فيما مضى موقف القارئ المستوعب وكان اختلاف الاتجاه في الحالين لاختلاف البواعث التي حدت بي إلى قراءة الكتاب.
قرأته فيما مضى لأستفيد من معارفه إثر ظهوره، وهأنذا أقرأه مع طلابي بمدارس السودان، لأبصرهم بما اشتمل عليه من آراء قيمة وبحوث طريفة لمست منها الدليل الناصع والنهج القويم. غير أني وقفت - واستوقفني طلابي - عند بعض الآراء فلم أجد لها دليل من معقول أو منقول يشفى الغلة ويحمل على التصديق وسأعرض لبعض منها بالدارسة على فيها شيئا من الهداية للطلبة الدارسين.
١ - قتل ابن المقفع:
يعتقد المؤلف بأن إيمان المقفع لم يكن صحيحا فهو يقول (ولكن إيمانه لم يكن فيما ظهر صحيحاً ولا خالصاً لله فقد كتب في الزندقة كتبا كثيرة اضطر بعض المسلمين أن يرد عليها في أيام المأمون. . .)
يعتقد هذا الاعتقاد ثم ينفي أن تكون الزندقة هي التي قتلته دون أن يلتمس لذلك دليلا فلم يزد على أن قال:(أم أنا فأرجح جداً أن الذي قتل ابن المقفع ليست الزندقة. . . .) ونحن لا نجهل أن كثيراً من الباحثين قد دافعوا عن إيمان ابن المقفع إكبارا للرجل وضنا بمثله أن يعود إلى الزندقة وقد من الله عليه بالإسلام وحق لهم وقد حاولوا إبطال هذه التهمة بالدلائل أن يبطلوا ما ترتب عليه من قول القائلين: إن الزندقة هي التي قتلته.
أما الدكتور فيثبت الزندقة ثم ينفي أن يكون القتل بسببها كأنها الأمر الهين الذي لا يستوجب قتلا ولا يستدعي حسابا مع أننا نعلم أن الزندقة في العصر العباسي قد امتحن بها طائفة من المفكرين والأدباء ولم يعنهم حين نزل بهم بلاء الحاكم أقدارهم ولا علمهم وربما قتل بعضهم زورا وعدوانا للشبهة الباطلة التي زيفها الحساد الناقمون.
والمؤلف ينفي كذلك أن يكون العهد الذي كتبه لبعد الله بن علي على أبي جعفر المنصور هو الذي قتله فيقول: (ولم يقتله تشدده في الأمان الذي كتبه لبعد الله بن علي لأنه يوشك أن