وأعتقد أن نعت العهد بالبطلان - لأنه لم يصل إلينا - حجة لا تنهض على أساس فكم من عهود أضاعها الزمن، وكم من كتب عفى عليها القدم وبقيت لنا أخبارها فيما بقى من أخبار السابقين، وإذا كان هناك أثر جدير بالضياع فهذا الأثر الذي يعارض مشيئة الحاكم ويقيده بقيود قاسية لا يرتضيها لنفسه ومنها طلاق النساء وتحرير العبيد إذا ما نقض العهد:
على أننا إذا التمسنا سبب القتل فيما كتب الدكتور وجدناه سببا لم يشر إليه نص من التاريخ ولم يقل به من كان في عهد ابن المقفع أو بعده بقليل وهو إلى جانب هذا تلمس لأشياء لم تجد لها قوة السببين السابقين: فهو يقول: إن رسالة الصحابة هي التي قتلته ويسرد منها ما يراه مثيرا لحفيظة الخليفة ومشجعا له على قتل الرجل.
لست أفهم أن تزلف الكاتب إلى الخليفة بنصيحة من النصائح بعد أن يمهد لها بالثناء المستطاب مما يدعو إلى الانتقام والقتل.
ولست أفهم أن إشارته عليه بأن يكرم جند خراسان والعراق وأن يأخذ الحيطة من جند الشام مما يريب الخليفة في أمره إلى الحد الذي يدفعه إلى الفتك به.
ولست أعتقد كذلك أن اقتراحا يتقدم به كاتب فيبسط فيه اختلاف القضاة في الأمر الواحد ثم يرجو أن يكون البت في مثل هذا لولى الأمر مما يكون له كبير أثر في نفوس الحاكمين.
وما جريمة ابن المقفع حين يتوسل إلى الخليفة طالبا (أ، يعينفي الأمصار جماعة من الخاصة يكون أمرهم تأديب العامة ومراقبة أعمالهم فإن العامة لا تصلح بنفسها إلا إذا وجدت مؤدين من الخاصة والخاصة لا تستطيع أن تعيش إلا إذا كان لها من الإمام مؤدب)؟
وأي ثورة أرادها - كما يقول الدكتور - وهو في هذه الرسالة ناصح متودد يرجو أن يبسط الخليفة سلطانه في كل أمر وتنفذ مشيئته في كل عمل؟!
والحق الذي لا شك فيه أن هذه الآراء وأشباهها ليس لها من جلال الخطر ما يرفعها فوق الزندقة أو يحلها فوق مكانة العهد الذي قيد فيه الخليفة بقيود قاسية ما كان أغناه عنها.
٢ - بين الكتابة والشعر:
ويرى الدكتور فيما يرى أن الكتابة تختلف عن الشعر والخطابة من حيث فهم الناس لهما