للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هل تقوم للأدب دولة؟]

معالي مصطفى عبد الرازق بك

صديقنا صاحب المعالي الشيخ مصطفى عبد الرازق بك وزير الأوقاف إمام من أئمة الدين، وعلم من أعلام الأدب، وسري من سراة الأمة، نشأ بحكم ولادته على النبل كما ينشأ ابن الملك على الملك، فهو في خلقه وسمته يجري على سراح الطبع الجميل، لا يتكلف ولا يتطبع، ولا يتصنع، ولا يقلد. وقلما تجد فقي مصر من ظفر بما ظفر به هو من إطباق الناس على اعتقاد سماحته وسراوته وفضله. ولعلك تدرك السر فيما تعرف من خلاله إذا علمت أن بيت عبد الرازق نمط لا واحد له في تقاليده وتربيته وبيئته. فهو وحده لا يزال يمثل نوعاً من الفتوة الإسلامية له خصائصه وله سننه: يرى العزة في سمو الإنسانية فيه، لا في إفراط العصبية عليه؛ ويجد المزية في سؤدد الفكر المهذب والخلق السجيح، لا في سطوة المال المكنوز والجاه المتسلط؛ ويمثل المدنية الحديثة تمثيل المعدة الصحيحة للطعام الهنيء فلا تكون إلا مدنيته الخاصة فيها سره وعليها طابعه؛ ثم يسير في سبيل الحياة على سنن واضح من شهامة القلب ونزاهة النفس وشرف اللسان وثبات العقيدة وكرم التضحية، كأنما يستجيب إلى صوت في دمه، ويمشي على دليل من طبعه

ساهم في جهاد الدستور والحرية بالنفس والمال ثم عف عن الغنيمة، وشارك في ثقافة العقل والروح بالتشجيع والإنتاج ثم عزف عن الشهرة، وتهافتت من حوله بيوت المجد على الأضواء الغربية الخادعة فأضل بعضها العشا، وأحرق بعضها اللهب، وبقي هو على شرقيته ومصريته قوي الدعائم رفيع الذرى تضوع في أبهائه نفحة الإسلام، وتهش على موائده أريحية العروبة، وتخفق في جوانبه روح مصر

والشيخ مصطفى يلخص في شمائله أمجاد هذا البيت، فهو سر وراثته وعطر أرومته وجملة ماضيه. فإذا جلست إليه في ألفة أو كلفة غمرك منه شعاع لطيف يملك نفسك من غير سطوة، ويبسط شعورك من غير خفة؛ ثم تحس في تواضعه سمو الكبرياء، وفي وداعته أنفة العزة، وفي بساطته جلالة النبل؛ فلا تستطيع أن ترد هذه الخلال فيه إلى الحد الذي تواضع عليه الناس في تعريف الخلق؛ إنما تنتهي إلى أن شخصيته الجذابة واحدة الطراز لما تهيأ لها من أثالة المنبت وزكاوة العرق وسعة الثقافة وسلامة الفطرة وجمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>