رأيت الشيخ مصطفى طالباً في الأزهر، وعرفته أستاذاً في الجامعة، وزرته عضواً في الوزارة، فلم أجده في كل حالة من هذه الحالات إلا على الوجه الذي لقي به الدنيا، لم يتغير فيه لسان ولا عين ولا مخيلة؛ ومزية المعدن الكريم ثبات وجهه على لونه، وبقاء جوهره على نقائه. ولو أن وجوه الناس تثبت على تقلب الحظوظ لما تنكر صديق لصديق ولا تجهم وطني لوطن
لله ما كان أنبل وأجمل حين دخلت على الشيخ الوزير مكتبه في الوزارة من غير وقفة على حاجب الباب أو جلسة لدى مدير المكتب! لقد كان في زيه الوطني الجميل ملء العين والنفس والشعور، يوزع التحيات على عادته ببسماته الرقيقة ونظراته الوديعة وكلماته الحلوة، فيجعلك تشعر أن الوزير منك، وأن الوزارة لك، وأن الأمر بينك وبين أولياء الحكم كما يكون بين الأب وأعضاء الأسرة.
كان سروري وأنا أهنئ صاحب المعالي وزير الأوقاف أقرب إلى أن يكون سروراً بنفسي؛ فقد وقع في وهمي أنني أساهم في هذه الوزارة بنصيب مبهم شائع لا أجهله ولا أدريه. ولعل مبعث هذا الوهم أن الوزير أزهري وصديق وأديب، وصلته بالناس من جهة الثقافة أو الصداقة أو الأدب يجعلها وفاؤه الطبيعي أدنى إلى النسب الشابك والقرابة الواشجة
أما بعد فإن استيزار أميرين من أمراء الأدب لهو فتح مبين لدولة القلم. فإن النهضات العلمية والأدبية في تاريخ الفكر لم تزدهر إلا في حمى ملك أو كنف وزير. والوزراء الأدباء أمثال ابن العميد والصاحب ابن عباد والمهلبي وابن زيدون وابن الخطيب لا يزالون عناوين فاصلة في تاريخ الأدب. فإذا ناط رجال الثقافة والصحافة آمالهم بوزير الخير مصطفى، وبوزير الجمال هيكل، فإن دلالة الحال تعلن أن مواتاة هذه الفرصة في صباح عهد الفاروق حين صدقت النيات على الاستقرار، وتهيأت النفوس للعمل، إيذان من الله بتيسير السبل لأمة العلم أن تنهض ولدولة الأدب أن تقوم.