هذا ثاني أيام التشريق؛ ومنى غاصة بمضاربها؛ قد اجتمع إليها الحجيج من أرجاء الأرض، واختلط فيها وفود المسلمين من كل الأقطار. تجاورت القباب واشتجرت الأطناب، وتمعجت السبل بينها تجور بالسائر، وتعدل بالسالك، إن لم يكن خبرها وعرف بالعلامات مسالكها، إلا مهيعاً يتوسط البقعة تفضي إليه المسالك فيقصد فيه السابل على بينة
زخرت منى بالحجيج، وازدحم الموسم بأهله. وقد أدينا بحمد الله المناسك ولم يبق إلا رمي الجمار، وهي أمر أمم لا يشغل نزال منى إلا قليلاً. فهناك سعة للتزاور والتعارف، وهناك فسحة لتبادل الآراء والتشاور في خطوب المسلمين
خرجت في رفاقة بعض الإخوان العراقيين أبتغي زيارة بعض الأجلاء من علماء الفرس، فلما لقيت الشيخ وبلغ الحديث منتهاه رغبت أن أرى من وجوه المسلمين وجهاً معروفاً في مجامع الحج منذ سنين لا يخلو منه موسم، ولا يجهله محفل. وقد رأيته في عرفات ضارباً مخيمه على الجادة فنزلت إليه في نفر من رفقائي حجاج الجامعة وأنسنا به حيناً. وبينا أنا بالمشعر الحرام من مزدلفة رأيت خطيباً واعظاً يتكلم على جماعة باللغة الأردية، فدلفت إليه فإذا هو ذلك الوجه المعروف غير المنكر، وأنا أرجو ألا يفوتني في منى لقاؤه؛ ومضربه في منى أرفع المضارب، يلوح للسائر عالياً متميزاً تخفق عليه رايته. فليس على من يبغي المسير إليه إلا أن يذهب إلى مسجد الخيف ثم ينظر إلى سفح الجبل ليرى فسطاطاً كبيراً قد احتل من السفح مستوى لا يتسع لغيره، فليس هناك فسطاط سواه. فإذا تأمله أبصر الراية الأفغانية فعرف أنه منزل السيد محمد الصادق المجددي
أخذت سمت المكان حتى قاربت المسجد فلقيني جماعة من حجاج الجامعة والأزهر فصعدنا إلى الفسطاط في شرف يطل على الموسم كله وينظر إلى مسجد الخيف من كثب. لبثنا قليلاً ثم هبطنا إلى فجوة بين الصخور تسمى غار المرسلات؛ يقال إن السورة الكريمة (والمرسلات عرفاً) أوحيت إلى صاحب الرسالة صلوات الله عليه هناك. وقد اجتمع الناس يمنعهم الشرطة من الدخول إليه والتمسح به كما كانوا يفعلون. فوقفنا وقفة قضينا بها حق الذكرى العظيمة، ثم سرنا مصعدين في الجبل وهو جبل شاهق أدكن عظيم الصخور كثير