للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١٠ - الدين والسلوك الإنساني]

للأستاذ عمر حليق

التعاليم الدينية والقانون:

القوانين الخلقية للجماعة تؤلف جزءا أصيلا جوهريا للنظام الاجتماعي الذي تعيش عليه والذي يستوحي الفرد منه سلوكه ويعتمد عليه في صلاته مع الناس. فالقوانين الخلقية هي أسبق من العادات والتقاليد والنظم والشرائع القانونية (المدنية) في توجيه السلوك الإنساني. وقد يأتي حين من الدهر تمتزج فيه هذه العناصر جميعها لتؤلف الأسس الجوهرية للنظام الاجتماعي، ولكن القوانين الأخلاقية تظل محتفظة بمكانتها الرئيسية، مهيمنة على بقية العناصر التي يتألف منها النظام الاجتماعي.

والدارس للمجتمعات البدائية يدرك كيف أن القوانين الأخلاقية (الدينية) تجد من يعبر عنها في الحكم والأمثال التي تلعب دورا كبيرا في تلوين السلوك الإنساني بطابع الرشاد والطهارة والعمل الصالح.

فالحكم والأمثال والأقوال السائرة نوع من التفلسف يستمد أصوله من القوانين الدينية؛ وهذه كما رأينا في مقال سابق من هذا البحث تستند إلى الغريزة الروحانية التي تعيش في كيان الإنسان.

فالحكم في القرآن والحديث مثلا على نوعين: -

(١) نوع يعالج الأخلاق والفلسفة العملية في السلوك الإنساني.

(٢) نوع يتوسع في الوعظ والإرشاد ويلجأ إلى الأمثال الشعبية المستمدة من صميم الحياة اليومية وعبر الأيام والحوادث قديمها ومعاصرها ليعزز الحكمة الخلقية والفلسفية القرآنية العملية بشروح ميسرة مبسطة تجد سبيلها إلى قلوب الخاصة وعقول العامة من الناس في لغة مستمدة من شتى أوجه النشاط الإنساني الدنيوي.

فالنوع الأول إذن يعالج المشاكل الخلقية الروحية على أسس منطقية، العقل والروح من أسلحتها. والنوع الآخر يتمم الاجتهاد فيضرب الأمثال بالحياة العملية وعبر التاريخ، وبجمعها في أسلوب محسوس ملموس، والإقناع فيه يستند إلى اختبار الناس وما يتواردونه من أنباء وحوادث، وما يلاحظونه من خير أو شر في نشاطهم الدنيوي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>