[من وحي الصحراء]
للأديب أحمد فتحي
ظَمِئْتُ، عَلَى قُرْبيِ، مِنَ النَّهْل وَالعَلِّ ... فَهَلْ عَافَ عَذْبَ الْوِرْدِ ظَمآنُ مِن قَبْليِ؟!
وَضِقْتُ بلَيْلى، ساهداً، وَلَوَ اُنَّنيِ ... تَعَزَّيْتُ لم أَشْكُ التَّشَهُّد في ليلى!
وغشَّتْ حَياتي وَحْشَةٌ ليسَ يَنْتَهِي ... مَداها، وَدُوني سائرُ الصَّحْبِ وَالأَهْلِ
وأَقْبَلْتُ، أَشْكُو للصَّحَارَى لواعِجِي ... وآنَسُ بالإخْلادِ في كَنَفِ السَّهْلِ
وقلتُ أَجئُ البيدَ ملَء سكونها ... وأسْمَعُ هَمْسَ الريح في أُذن الرمْل
تُقَبِّلُهاَ طَوْراً، وطوراً تُرِيدها ... تُنَقِّلُ كالحسناءِ رِجْلاً إلى رجل
وأُبْصِرُ بالشمس التي مَلَّتِ النَّوَى ... إلى الغَرْبِ تمشي مِشْيَةَ الواهِنِ الكَهْلِ
أراها، حريقاً أَضْرَمَ اللهُ نارهُ ... لتأكلَ آجالَ السنينَ عَلَى مهل!
أُحِسُّ لظاها في ضلُوعي وتَنثَنيِ ... ويبقى الَّلظى يُغْرِي مَآقيَّ بِالْهَمْل
نَجِيَّةَ رُوحِي لا عَدِمْتِ عواذلا! ... فماذا يكونُ الحبُّ، إن يَخْلُ من عَذْلِ؟
وهل كان يُغْرِي الشاربين بِرَاحِهِمْ ... سِوَي أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الرَّاح في حِلِّ؟!
وما أنا والعُذَّالُ، يمضي حديثُهُمْ ... وَيبقَي حديث الحبِّ في قولِهِ الفصل؟!
أَصِيخِي إليَّ السَّمْعَ، لا تَتَعَجَّليِ ... بناتِ خيالي بل دعيها على رِسْلِ!
ولا تحسبي نجوايَ من عَبَثِ الهوَى ... وَلَغْوٍ حديثِ الشِّعْرِ، في الجدِّ والهزْلِ
فَرَرْتُ من الدنيا ومِنْكِ تَشَوُّقاً ... إليكِ ولِلدنيا فيا للهوى النُّبلِ
أُطهِّرُ نفسي بالبِعاَدِ، لَعَلَّهُ ... يُعَلِّمُني صَبْري على الهَجْرِ وَالدّلِّ
وما الحبُّ إلاًّ لهفةٌ، وَتَصَبُّرٌ ... وَطُغْياَنُ تَبْرِيح على عاشق مِثْلِي
سَمَوْتُ بأفكاري إليكِ ولم أزَلْ ... نَجِيَّكِِ في أحلام يقظانَ بالوَصْلِ
وأَسْرَى خَيالي طائفاً بكِ باسماً ... كما تَبْسِمُ الأزهار في الفجر للطَّلِّ
وظلَّ يُنادِي لطْفَ حُلْمِكِ في الكرى ... إلى سابقاتِ العَهْدِ، بالوصل والشَّمْلِ
فهل لَقَيِ البَرَّ السَّمِيعَ نِدَاؤُهُ ... تُرَى، أم يعودُ الطيفُ بالمنْعِ والخَذْلِ؟!
نَجِيَّةَ رُوحي قد رَمَتْ بي يد النَّوَى ... بخيلا من البَيْدَاء يجزل في البخل
تَلَفَّتُّ حَوْلِي، لم أَجِدْ لِيَ مُؤْنساً ... وقد كان كلُّ الأثس لو شِئْتُ مِنْ حَوْلي