وأَصْغَيْتُ للصحراء يَنْشُدُ مِسْمعي ... حديثاً، ومَنْ لي بالحديث بِهاَ، مَنْ لي؟!
هُناَ الصَّمْتُ حَرَّانُ الجوانِحِ مثْلَما ... يُصَعِّدُ صَبٌّ زَفْرة الشوق لِلْوَصل
هنا مَلْعَبُ الذِّكرى وميدانُها الذي ... تَشَعَّبَ بالعُشَّاقِ، سُبْلاً إلَى سُبْلِ
ومَسْرَح أفكار تساءل عن هَوًى ... بعيدِ المرامي لا قريب ولا سَهْلِ
وَمهْبِطُ إيحاءٍ ومَذْرَفُ أَدْمُع ... تحيَّرْنَ بين الكْبِرِ في العَيْنِ والذلِّ
وَمَعْبَدُ حُسْن قَدْ تحكَّمَ في الورى ... قضاءً جَرَي بالظلم حيناً وبالعدل
وَرَوْضٌ مِنَ الأوهام لاذَتْ بِظِلِّهِ ... قوافِلُ في الرَّمْضاءِ، تُحْدَى إلى الظِّلِّ
ودُنيا من الحِرْمَان ضجَّ ضَجِيجُها ... تَصَايَحُ بالزَّمرِ الطَّرُوبِ وَبالطَّبْلِ!!
نَجَيَّةَ رُوحي يا مُناها وسُؤْلهاَ ... هنيئاً لرُوحي بالأَماني والسُّؤْلِ
تَرَيْنَ شبابي ملء عَيْنَيْكِ ناضراً ... يُغنِّي كما تشدو الطيور على النَّهل
أَعِنْدَكِ أنَّ القلب طفل وإنَّنيِ ... أَخَافُ تَباَريح الغرام على طِفْلي؟
تَبَدَّى له النيرانُ ورداً وإنَّهُ ... من الخوف والنيران بالوَردِ في شُغْل
فلا تَفْجَعِيِه في الأماني وحُسْنِهاَ ... ولا تُركِبيهِ مَركَبَ الشَّطَطِ الهَوْل
خُذِيه حَناناً في يديك ورحمةً ... ولا تُغْلظِيِ يوماً لطفلكِ في قَوْل
وغَنِّي لَهُ الألحان فَرْحَى رقيقَةً ... فَعَلِّي أن أحْظَى بأصَدائِهاَ عَلِّي
وَرَاعيه كالأُمِّ الرَّؤُوم تَلَطفاً ... فَوَيْلىِ إذا ما اليُتْمُ رَوَّعَهُ وَيليِ
ولا تُشْبِهِي الصحراء في جَدْبِ قَلْبِهاَ ... إذا جَاَءها الظَّمآنُ للنَّهْلِ والعَلِّ!!
(القاهرة)
أحمد فتحي
مدرس بالتعليم الفني والصناعي