صارت الغلبة للشعب، فلقد وقف ميرابو وقفة حاسمة كان في الثورة كما رأينا نجاتها؛ وليت شعري هل يحمل عمله هذا على الهدم أم هو يحمل على البناء؟ أتراه يوجه السفينة إلى حيث لا عاصم لها من الموج، أم تراه يجنبها الصخرة المعترضة؟ أدر الدفة يا ربانها! لكن الربان اليوم يزجيها ويستحثها! أكان عن طيش ذلك أم عن خبل؟ كلا فأنى لليطش أو الخبل أن يبلغا هذا الرأس الأشم؟ أولم ير الأشراف يأتمرون بالثورة ويرى الملك يتنمر بغتة ويهم أن يأتها من مقتلها؟ إنه يعرف ما يفعل يدرك متى يتخذ الهجوم سلاحاً ومتى يجعل من الصبر مثابة وأمنا. وإنك لتراه يجمع في ذلك إلى إقدام القائد حنكة السياسي
أكبرته باريس وكانت قد أعجبت بما قرأت له في صحيفته التي كان يصدرها دفاعاً عن آرائه، واليوم تخلص له الحب، ولو كان للرجل يومئذ مآرب خاصة كما تقول عنه خصومه لكان له من تلك الشهرة أعظم فرصة، ولكنه وقف من باريس موقف الحذر الفطن، إذ كان يخشى أن تنقلب الثورة من مظهرها الدستوري إلى مظهر دموي هو عنده الطامة الكبرى
ولكنه إذ يعمل على تفادي الخطر من ناحية الشعب لم يكن يأمن جانب البلاط، ولم ير في إذعان الملك وحمله السادة الممتازين على مجالسة العامة إلا سكون المتحفز الذي يتربص بالجمعية الدوائر ليضربها الضربة القاضية
ولم تلبث الحوادث أن أيدت ما رأى، فقد طافت شائعات السوء بالجمعية ثم أيقنت أن الملك يحشد حول باريس وفرساي من جنده نحو أربعين ألفاً، وأنه موشك أن يعود إلى سالف موقفه منها وهو اليوم بهؤلاء الجند أشد بطشاً وأعظم حولاً، ولقد أنكر ميرابو هذه السياسة المذبذبة من لدن ذلك الملك الذي كان بسياسته يوقظ لفتنة ويحركها؛ وتساءل في دهشة وفي