واجب الوجود وعالم بالأول عقل آخر ولا يكون فيه كثرة إلا بالوجه الذي ذكرناه. ويحصل من ذلك العقل الأول بأنه ممكن الوجود وبأنه يعلم ذاته الفلك الأعلى بمادته وصورته التي هي النفس. والمراد بهذا أن هذين الشيئين يصيران سبب شيئين: أعني الفلك والنفس. ويحصل من العقل الثاني عقل آخر وفلك آخر تحت الفلك الأعلى. وإنما يحصل منه ذلك لأن الكثرة حاصلة فيه بالعرض كما ذكرناه بديا في العقل الأول، وعلى هذا يحصل عقل وفلك من عقل، ونحن لا نعلم كمية هذه العقول والأفلاك إلا على طريق الجملة إلى أن تنتهي العقول الفعالة إلى عقل فعال مجرد من المادة؛ وهنالك يتم عدد الأفلاك؛ وليس حصول هذه العقول بعضها من بعض متسلسلاً بلا نهاية، وهذه العقول مختلفة الأنواع كل واحد منها نوع على حدة، والعقل الأخير منها سبب وجود الأنفس الأرضية من وجه، وسبب الأركان (العناصر) الأربعة بواسطة الأفلاك من وجه آخر)، ويقول ابن سينا كذلك إن (الأول يبدع جوهراً عقليا هو بالحقيقة مبدع ويتوسطه جوهراً عقلياً وجرماً سماوياً. وكذلك عن ذلك الجوهر العقلي حتى تنم الأجرام السماوية وتنتهي إلى جوهر عقلي لا يلزم عنه جرم سماوي. فيجب أن تكون هيولي العالم العنصري لازمة عن العقل الأخير وعلى هذا فالفارابي وابن سينا يثبتان الخلق الذي جاء به القرآن وإن كانا يصورانه بصورة عقلية روحية، ويسلمان مع أرسطو بقدم العالم وإن اعترفا بمبدئه