كنت قد نشرت في (الرسالة) كلمة أقول فيها: (مما يسترعي الالتفات أحياناً تلك اللغة التي يخاطب بها بعض الأدباء زملائهم. فتراهم يقولون: (زميلنا أو صديقنا فلان يطلب إلينا كذا، ونحن نقول له كذا، والأجدر به أن يسألنا كذا) إلى آخر هذا الكبر والتكبر في التعبير)
وظاهر من الروح هذه الكلمة أنى أحض على توثيق صلات المودة الصافية بين الأدباء بدعوتهم إلى نبذ الألفاظ التي قد تحدث في نفوس زملائهم شيئاً من الامتعاض
ولكن الدكتور زكي مبارك فهم الأمر على وجه آخر فإذا هو يتفضل بزيارتي ليسألني:(أحقاً أنا أنكر أن يشرف الناس أنفسهم بالانتساب إليّ؟) يا للعجب! أهكذا يمكن أن تؤول المقاصد أحياناً بضدها؟!. . . ثم سألني أيضاً فيما سألني عن المقصود بهذه الكلمة. فقلت له: ما من أديب واحد قد عنيته بالذات؛ إنما هي كلمة عامة للنفع العام. ولئن كان لابد من مناسبة أوحت بهذه الكلمة فربما كانت مقالة الأستاذ عباس العقاد التي يشكر فيها للدكتور طه حسين إهداءه إليه
(دعاء الكروان). في الحق أنني لم أجد بالمقال الرقة التي كنت أنتظرها، واستأت في نفسي من الأستاذ العقاد بعض الاستياء، وأنا الذي يعتقد دائماً أنه يخفي وراء قناع الكبر والتكبر نفساً طيبة تتفجر إذا اطمأنت بأجمل عاطفة وأنبل إحساس. فالذي يستطيع التأثير في نفوسنا بكتاباته الإنسانية عن الكلب (بيجو) لابد أن يحمل نفساُ خليقة أن تفيض بالمودة نحو إنسان!
تلك هي المناسبة يا دكتور زكي. ولكنك شئت أن تحمل الكلمة على أنها غمزة مني لك. وأنا أبعد الناس عن الغمزات خصوصاً إذا تعلق الأمر بشخصي. . . فأنا لم أنشر قط يوماً كلمة تعمدت بها إيذاء أديب في شعوره. أنا الذي يجرؤ مهاجمة المبادئ والنظم إلى حد التعرض للخطر. . . لا أجد من اللائق بأديب أن يهاجم أديباً ليخدشه في كرامته. . . لأن الأدب قبل كل شيء مودة ورحمة وصفاء. . . على هذا الوجه فهمت دائماً الأدب. فالأدب هو صنع الجمال. وعلى من يصنعون الجمال أن ينطووا على نفوس جميلة. وأنا الذي لا يختلط بالناس والأدباء إلا قليلاً لما في طبيعتي من وحشة وكآبة أشكو منهما، تجدني مع