هذا هو مذهب العقاد في الحياة، وهو مذهبه في الفنون، وهو رائده في التعبير. . . الشعر حركة في الضمير، وهزة في الشعور - وهذا هو الاضطراب - وهو بعد ذلك لفظ مقروء وجرس مسموع - وهذه هي الأوزان - فإذا اضطربت العواطف واشتجر الشعور وماجت الأحاسيس، فيجب - لتكون فناً - أن تضبطها الأوزان وتحدها الألفاظ، ويحكمها التعبير
من فهم هذا المذهب على حقيقته، فقد فهم أسلوب العقاد، وتنبه إلى الدقة في ترتيب المعاني وتنسيق العبارات، وفي إيراد الألفاظ المعبرة عن المعنى بلا زيادة ولا نقصان
التعبيرات الطائرة، والأساليب المزوقة، والجمل المتراقصة، كل أولئك لا نصيب له في شعر العقاد، لأن الشعر أقدس لديه من أن يكون ثوب مهرج، أو قفزات بهلوان! وهو كذلك مالك لريشته، متنبه لتعبيره، فلا مجال لغير الدقة والقصد والإحكام
هذا كله من جهة، ومن جهة أخرى أن الأحاسيس والمعاني التي يضطلع بها الأسلوب في شعر العقاد ليست رخيصة مبتذلة، ومعظمها ليس متداولا متعارفاً، وهي على العموم ليست (ملقاة على قارعة الطريق). فالأسلوب في شعر العقاد إذن يضطلع بعبء لا يضطلع به عنه سواه، وهو عبء من نتاج الإنسانية الممتاز، ومن ثروة الفن العالي، ومن الخلاصات النفسية، فمن حق هذا الأسلوب أن يتريث ويتأنى، وأن يكون له وقار من وقار المعاني التي يحملها، وجلال من جلال الأحاسيس التي يصورها، وأن ينظر فيه أولا إلى مقدار الذخيرة الفنية التي يفيض بها، وأن تكون الموسيقية الممتازة فيه هي موسيقى المعاني والأفكار والآفاق الجديدة التي يرتادها في هدوء وعمق وسموق، لا الموسيقية اللفظية الرخيصة وحدها، وهي ليست بذات بال
وما أقول هذا لأن شعر العقاد تنقصه هذه الموسيقى اللفظية ففيه الكثير منها، بل في هذا الشعر مجموعة من القصائد التي تتوفر فيها هذه الخاصة، قلما يوجد نظيرها في دواوين الشعراء الموسيقيين، كما أن الرصانة والجزالة في عامة شعر العقاد ملحوظة واضحة.
وإذا شاء أحد أن يأخذ على بعض من ينتسبون للمدرسة الحديثة من الشبان قصوراً في