فقد قطة أحد المزارعين الدانمركيين أطفالها غرقاً في أحد المجاري المائية. وقد اختفت القطة بعد هذا الحادث. وفي أحد الأيام عثر عليها المزارع وهي تطعم وترعى خمسة فيران وليدة. وظل المزارع يراقبها إلى أن عثر عليها ذات يوم وحيدة مكتئبة، وتبين فيما بعد أن الفئران الصغيرة غرقت في المجرى المائي. . .
قرأت هذا النبأ، فوقفت عنده طويلاً، بعد أن عبرت أنباء القتال الناشب في كوريا والذي يوشك أن ينقلب إلى حرب عالمية ماحقة. تلك جيوش تتأهب، وأساطيل تتحرك، وطائرات تغير وتنقض، وقنابل ذرية وهيدروجينية ترتعد الفرائض من هولها المرتقب - كل ذلك يعده الناس بعضهم لبعض، لتمزيق أواصر (الإنسانية) بينهم. وهذه قطة ترفعها عاطفتها فوق العداوة المأثورة بين جنسها وبين الفئران، فتحنو على صغار أعدائها وترعاها، ثم تكتئب لفقدها كما اكتأبت على صغارها. والناس - وهم لأب واحد وأم واحدة - لا يستطيعون أن يزيلوا ما بينهم من خلاف فيلجئون إلى وسائل التقتيل والتدمير.
ولقد اعتدنا أن نطل كلمة (الإنسانية) على الأعمال والتصرفات التي توجهها العواطف والدوافع الرحيمة في نفس الإنسان، واعتدنا أن نمجد هذه الكلمة ونعجب بآثارها في الآداب والفنون؛ فما أحرانا اليوم أن نقف عند هذه (القطية) الرفيعة. ونمجد تلك القطة الدانمركية العظيمة الجديرة بأن تأخذ مكانها بين دعاة السلام، بل تأخذ بينهم مكاناً ممتازاً، لأنها لم تخطب ولم تدبج مقالاً، بل ضربت المثل بالعمل إذ قلمت أظفار العداوة بين القطط والفئران، ورفعت في الميدان راية السلام.
هل بين القطط - كما بين الناس - أدباء وفنانون - يشيدون في إنتاجهم بدوافع الإنسانية ومظاهرها ويضمخون بعبيرها ما يكتبون وينشئون؟ وما أجزم، قد يكون في موائها شيء من ذلك، ولعله شيء نادر إلى جانب صرخاتها في الدعوة إلى افتراس الفئران، كما يدعو الإنسان إلى افتراس الإنسان. . . ولعل تلك القطة استجابت لذلك المواء النبيل فتجنبت