قد نشعر في هذا المقال أننا نبعد عن ديار مصر والشام وهما محور الحديث في العصر المملوكي، وأننا نيمم شطر ديار أخرى هي ديار بني أرتق بماردين وديار بكر. ولكنا مع هذا لا نزال في صميم العصر. فأن الشاعر صفي الدين الحلي من أجل شعرائه، وكان هو وجمال الدين بن نباتة فرسي ميدان فيه، لا يشآهما شاعر آخر من رجال حلبتهما. فإذا تحدثنا عن صفي الدين وعلاقته ببني أرتق فإنما نتحدث عن خاصة بارزة من خواص أحد شعراء العصر، وعن وشيجة أثيرة من وشائجه كان لها أثر كبير في أدبه.
وحقاً ولد صفي الدين بالحلة بالعراق عام ٦٧٧هـ ويبدو أنها (حلة بابل) التي عناها بقوله بعد انتزاحه عنها وعن قومه فيها إلى ملوك الدولة الأرتقية:
ألا أبلغ - هديت - سماة قومي ... بحلة بابل عند الورود
ألا لا تشغلوا قلباً لبعدي ... فإني كل يوم في مزيد
لأني قد حللت حمى ملوك ... ربوع عبيدهم كهف الطريد
ثم انتزح إلى الملكة الأرتقية وطوف في آفاق الديار الحلبية والشامية والحجازية، ولكنه عرج آنا على مصر وأقام بها ردحاً من الزمن، اتصل من خلاله بسلطانها العظيم الناصر محمد بن قلاوون وكاتب سره النابه علاء الدين تأثر - بلا ريب - بالثقافة المصرية، وتأثر بالمدرسة الأدبية المصرية التي قدست مناهج القاضي الفاضل في الكتابة والشعر، وقدست من بعده مناهج ابن نباتة فيهما، وعنيت اكثر ما عنيت بالتورية والتضمين. غير أن صفي الدين مع هذا كان نسيج وبخاصة في شعره، وافتن في هذا الشعر افتناناً ليس الآن مجال الحديث عنه، سوى أننا نشير إلى أنه سلك البديع فيه، ولج في هذا السلوك حتى لنشعر أن ألفاظ اللغة أصبحت كالعبد رهن يديه يصرفها كيف يشاء. وحتى استطاع أن يكون من مبتكري فن شعري جديد هو فن البديعيات، والبديعيات في الشعر تعادل المقامات في النثر، بلغ بها الفن البديعي أوجه شعراً، كما بلغ بالمقامات أوجه نثراً. وللبديعيات حديث طويل قد نعود إليه في مقال جديد. ويعنينا أن نتحدث عن صلة صفي الدين ببني