سيدة البحار، وزعيمة الدول الديمقراطية وأولى الدول الصناعية، وأكبر الدول الاستعمارية، ودينامو السياسة الدولية. بهذه الكلمات وصفنا بريطانيا في مقالنا السابق.
ولعل القارئ الكريم يسألني كيف استطاعت بريطانيا أن تكون لنفسها هذه المكانة الممتازة وأنا أجيبه بأن ذلك يرجع أولا وقبل كل شيء إلى الخلق البريطاني.
الخلق البريطاني
يمتاز الشعب البريطاني بمتانة أخلاقه وبثباته واستقراره وبحب أفراده لوطنهم حباً لا مزيد عليه، ومسارعتهم للتضحية في سبيله؛ ولعل ذلك راجع إلى تأثير المناخ، فإن بريطانيا تمتاز بأن شتاءها بارد نوعاً، تكتنفه الغيوم ويغشاه السحاب، وقد دفع ذلك الشعب إلى النشاط لمكافحته والتغلب على متاعبه، وهذا بدوره قد عود الشعب على الكفاح والجلاد والجهاد.
ولا تبدو حقيقة الخلق البريطاني واضحة جلية إلا في أثناء الأزمات التي تتعرض لها بريطانيا، فإن الشعب يتكتل في أثناء تلك الأزمات، ويقف صفاً واحداً للدفاع عن الوطن وعن تراثه. وقد كانت أخطر الأزمات التي تعرضت لها بريطانيا كثيرة ولكن أهمها كانت أربعاً:
أما الأزمة الأولى فقد كانت تلك التي تعرضت لها أثناء صراعها مع أسبانيا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وقد كان صراعاً عنيفاً بين دولتين: إحداهما تتزعم الدول الكاثوليكية وهي إسبانيا، والثانية تتزعم الدول البروتستانتية وهي إنجلترا. ويقول أحد المؤرخين ما ترجمته:(ومن حسن الحظ أنه عند اقتراب الأزمة الكبيرة كان الخلق البريطاني يكتب أخص مميزاته وهي الصلابة وشدة المقاومة) وقد عرف البريطانيون قوتهم فرحبوا بالنزال المقبل، وفعلاً أرسل فيلب الثاني أسطوله المعروف بالأرمادا؛ والمؤلف من ١٣٢ سفينة (وفي وجه الخطر المقبل تنوسيت الخلافات القديمة وحل محلها نشاط قومي أدى إلى وحدة جميع الأحزاب) ووقف الشعب الإنجليزي برياسة ملكيته إليصابات في وجه الخطر الإسباني، وكون أسطولاً من ١٩٧ سفينة، واستطاع أن يحطم