الأرمادا، وبذلك نجت بريطانيا من الخطر المحدق بها، وبدأت سيادتها البحرية.
وأما الأزمة الثانية فكانت تلك التي تعرضت لها بريطانيا في أثناء صراعها مع فرنسا في عصر الثورة ونابليون (١٧٩٣ - ١٨١٤) وقد انتهى الأمر بانتصارها وسقوط نابليون.
وكانت الأزمة الثالثة التي انتابتها هي الحروب العالمية الأولى ١٩١٤ - ١٩١٨ ونضالها مع ألمانيا، وقد خرجت منها ظافرة.
وأما الأزمة الأخيرة فكانت الحرب العالمية ١٩٣٩ - ١٩٤٥ وقد انتصرت فيها على ألمانيا وحطمت هتلر طاغية القرن العشرين.
ولعلنا نذكر تشر شل رئيس وزرائها ١٩٤٢ بعد سقوط فرنسا تحت أقدام الألمان، ولعلنا نذكر كلماته التي واجه بها الشعب في ذلك الوقت الحرج:(أني أقدم لكم الدم والدموع) فهو لم يخدع الشعب ولم ينافق، بل تكلم في صراحة وعرض الموقف على حقيقته، فهو يعلم أن خداع الشعب ليس من المصلحة في شيء، وأنه إذ يصارح الشعب بحقيقة الموقف فإنما يدفعه إلى الجلاد والكفاح، وهو وثق من أن الشعب سيقبل على التضحية في سبيل الوطن وقد كان إذ ثبتت بريطانيا وانتصرت.
وتروعك الأمثلة الكثيرة التي تقدم لك عن مدى تضحية الإنجليز في سبيل وطنهم، فالتجنيد هناك ليس إجبارياً ولكن القوم يسارعون إلى التطوع من تلقاء أنفسهم خدمة لوطنهم، وقد قرأت ذات مرة أن أربعة أخوة كانوا يقيمون معا أثناء الحرب العالمية الأولى، فلما قامت الحرب حاول كل منهم أن يقنع الآخرين بأن يتركوا له فرصة التطوع، وأن يبقوا هم آمنين في دارهم، وتظاهروا بالاقتناع، فلما كان الغد أقبل كل منهم يسعى إلى مكتب التطوع لتسجيل اسمه، وهناك التقي الأخوة الأربعة ورفض كال منهم أن ينزل عن شرف المساهمة في الدفاع عن الوطن وتطوعوا جميعاً!!
ويذكرني هذا بما كان من أمر الخنساء ومن أمر بينها الذين استشهدوا في فتح فارس، وجاء رسول الجيش إلى المدينة ليبلغ الخليفة عمر نبأ انتصار المسلمين؛ ولقيته الخنساء فسألته عن الأمر فأجابها:(لقد قتل بنوك). فقالت له (ما سألتك عن أبنائي ولكني أسألك عما كان من أمر الجيش) فأجابها: (لقد انتصرنا) فرفعت يديها إلى السماء قائلة (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم). لكني أوازن بين ما كان وبين ما هو كائن فأرى فرقاً شاسعاً فهل يعود إلينا