ما أكثر الذين لم يوفّهم التاريخ حقّهم من البحث والتنقيب وقد أحاط بهم الغموض والإبهام وراحوا ضحية الإهمال فلا ترى لهم اسماً في الكتب التاريخية ولا ذكراً في معاجم الأعلام والعلماء! من هؤلاء الذين كاد يطغى عليهم النسيان أبو الحسن علي أحمد النسوي، فهو من رياضي القرن الخامس للهجرة من بلدة نسا بخرا سان، لم يكتب عنه إلا ما لا يشفي غلة المنقب، وقد أهملته المصادر إهمالاً معيباً، وإذا أطلعت على تاريخ الرياضيات (لسمث) وجدت عنه نبذة لا تتجاوز عشرة كلمات، وهي أن النسوي ألف في الحساب الهندي وشرح بعض المؤلفات لأرشميدس؛ وتجد أيضاً في كتاب آخر يبحث في الأرقام الهندية العربية تأليف سمث وكاربنسكي: إن النسوي من الذين استعملوا كلمة الهندي لتدل على الحساب في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وأما كتاب الآثار الباقية فيقول عن النسوي إنه لم يتمكّن من العثور على شيء عن حياته، ومع ذلك فقد استطاع أن يكتب عنه بصورة أوسع من غيره من المؤلفين معتمداً في ذلك مقدمة كتاب المقنع لصاحب الترجمة. ومن هذه الترجمة يفهم إن النسوي ينتسب لمجد الدولة بن فخر الدولة حاكم العراق الفارسي. ويقال إن مجد الدولة هذا طلب من النسوي أن يؤلّف له كتاباً في اللغة الفارسية يبحث في الحساب الهندي على أن يكون موافقاً لديوان محاسبته يمكن الانتفاع منه، قد كان ما أراد الحاكم وخرج الكتاب إلى الناس فانتفع منه وعنه اخذوا الشيء الكثير لمعاملاتهم؛ وقد اطّلع شرف الدولة أمير بغداد على هذا الكتاب، ويظهر أنه رأى فيه فائدة وانتفاعاً فأمر النسوي بأن يؤلّف له كتاباً باللغة العربية يكون على نمط الكتاب المذكور، وقد كان لشرف الدولة ما أراد، فأخرج النسوي كتاباً سمّاه (المقنع) وقد وفّق فيه كثيراً، فيقول عنه صالح ذكي:(إن المقنع هو نموذج حقيقي يدلّنا على المرتبة التي بلغها الحساب الهندي في العراقيين العربي والفارسي في أوائل القرن الحادي عشر للميلاد. .) ولهذا الكتاب مقدمة ينتقد فيها الذين تقدّموه من المؤلّفين الرياضيين وينتقد فيها أيضاً معاصريه من واضعي كتب الحساب، وينحى باللائمة على كل هؤلاء ويقول إنه وجد تشويشاً وتطويلاً في الكتب الحسابية التي وضعها الكندي والانطاكي، كما أنه وجد في مؤلّفات علي بن أبي نصر في الحساب تفصيلاً