للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القضايا الكبرى في الإسلام]

نسب زياد

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

كان من أنكحة الجاهلية أن الجماعة يباشرون البغي، فإذا ولدت ألحقت الولد بمن شاءت منهم فيلحقه، وكانت سمية أم زياد لدهقان فارسي، فمرض فدعا الحارث بن كلدة الطبيب التقفي فعالجه فبرئ فوهبه سمية، وقد ولدت عند الحارث أبا بكرة واسمه نفيع، فلم يقربه، ثم ولدت نافعاً فلم يقربه أيضاً، فلما نزل أبو بكرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف قال الحارث لنافع أنت ولدي، وكان قد زوج سمية من غلامه عبيد الرومي، فولدت زياداً بعد زواجه بها، فكان يدعى له إلى أن استلحقه معاوية في ملكه بنسب أبيه

وذلك أن أبا سفيان بن حرب كان قد صار في الجاهلية إلى الطائف، فنزل على خمار يقال له أبو مريم السلولي، وقد أسلم بعد هذا وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو سفيان: التمس لي بغيا. فدله على سمية فجاءت بزياد في السنة الأولى من الهجرة

فلما كبر زياد ونشأ كان امرءاً حازماً خطيباً فصيحاً، فاتخذه أبو موسى الأشعري كاتباً له في ولايته على البصرة، ثم إن عمر بن الخطاب استكفى زياداً أمراً، فقام به على أحسن وجه فلما عاد إليه حضرو عنده وجوه المهاجرين والأنصار، فخطب خطبة لم يسمعوا بمثلها، فقال عمرو بن العاص: لله هذا الغلام، لو كان أبوه من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان: والله إني لأعرف أباه. فقال علي: يا أبا سفيان اسكت، فإنك لتعلم أن عمر لو سمع هذا القول منك لكان إليك سريعاً

وقد كان هذا من أبي سفيان أول خطوة في استلحاق زياد به وإنما تأخر بها إلى هذا العهد لأنهم كانوا يكرهون استلحاق أولاد الإماء بأنسابهم، ولا سيما إذا كان على ذلك النوع من الأنكحة فإذا أنجب ولد الأمة لم يروا بأساً في استلحاقه بأنسابهم، ولكن أبا سفيان حين فكر في ذلك وجد أن أمره قد نسخ بالإسلام، لأنه حرم ذلك النوع من النكاح، وقضى بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولكنه أقر كل ولد كان ينسب إلى أب من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرق بين شيء منها، لأن كل تشريع لا يجري إلا على الحاضر. ولا يجري على الماضي إلا في رفع ظلم قائم، أو نحو ذلك مما يجوز الأخذ به فيه، فسكت

<<  <  ج:
ص:  >  >>