يقول (دوفيل) في كتابه عن الإمبراطورة (جوز فين)، إن من النساء من أوتين الميل إلى الحكم والرغبة فيه، رغم ما فيه من مشاق ومصاعب، لأنهن لا يرين في شيء من الأشياء مستحيلا. فتلك ظاهرة في طبعهن وغريزتهن. فهن يرغبن في الإحاطة بكل شيء علماً، وعرفان ما تحته وما فوقه، ليتممن النقص الذي فيهن. فهن يحكمن على عشاقهن؛ فإذا أخطأهن ما أملن، حكمن على أزواجهن وأولادهن ثم تعدين ذلك إلى حكم صواحبهن، فإذا وجدن المجال ذا سعة، وكن ممن يلوذ بالملوك والأمراء والوزراء، سولت لهن أنفسهن أن يحكمن الرعية ويدبرن أمورها.
أما حكمهن العشاق، فأمر لا ريب فيه، فهن في أغلب الأحايين، عابثات بالقلوب، لاعبات بالألباب. أما حكمهن الأزواج فأمر كثير الوقوع، وندر أن تجد امرأة لا تحكم زوجها. ولكن حكمهن العباد، وتصرفهن في الأمور، وتدبيرهن الملك قد تبدو مستحيلة لا تقع، بعيدة لا تنال. على أن لجاجة النساء لا توصف وإلحاحهن لا يدرك، ثم هن لا يعرفن المستحيل. وفي التاريخ الإسلامي ألوان من البرهانات، تدل على حكمهن. وسأسوق الأدلة من بدء العصر العباسي، إلى منتصف القرن الرابع الهجري.
وقبل أن أبدأ، أذكر أن الجاحظ قد لاحظ بعض هذا، فقال:(إنه لم يزل للملوك إماء يختلفن في الحوائج ويدخلن في الدواوين، ونساء يجلسن للناس) فيذللن ما صعب وينلن ما بعد. على أن سلطانهن، كان على قدر مبلغ سحرهن ونفوذ أثرهن، وتملكهن قلوب الخلفاء. وواضح أن تحكمهن يكون على قدر ضعف الخليفة ورقة عقله، وانقياده. ولذلك تجد أن بعضهم تركوا لهن الأمر كله، وأن بعضهم سايروهن مرة، وغاضبوهن مرة، وآخرون لم يحفلوا بهن أبداً.
فالسفاح، ابتعد عن النساء، فلم يرغب فيهن لملذاته بله استشاراته. وحاول خالد بن صفوان أنه يثير شهواته مرة بذكر الجواري وأو صافهن ليغريه بشرائهن، فلم يفلح. وكان يقول: العجب ممن يترك أن يزداد علماً، ويختار أن يزداد جهلا. فسئل: ما تأويل ذلك؟ قال: تترك مجالسة مثلك ومثل أصحابك ويدخل إلى امرأة فلا يزال يسمع سخفاً ويروي نقصاً.