أرى من الواجب في مطلع هذا المقال أن أوضّح مسألتين خفيتا على بعض القراء فجرت ألسنتهم بالعتب والملام.
المسألة الأولى، هي الحكم بأن أحمد أمين ينظر إلى الأدب، وإلى الوجود نظرة عامّية؛ فقد ظن فريق من الناس أننا نقول بأنه من العوامّ في حدود الاصطلاح المألوف، على معنى أنه بعيد عن الجو الذي يعيش فيه العلماء.
وذلك غير ما نريد. فأحمد أمين تلقى العلم في مدرسة القضاء الشرعي وظفر بإجازتها العالية، وجلس للقضاء في المحاكم الشرعية بضع سنين. ثم اشتغل بالتدريس في الجامعة المصرية. فهو ليس عامّياً بالمعنى المعروف، وإنما نريد أن نقول إن أحمد أمين على كثرة ما قرأ في الكتب وما سمع من العلماء لا يزال يفكر كما يفكر العوام.
ولتوضيح ذلك نقول: إن في أهل العلم من يكون أقل اطلاعاً من زملائه، ولكنه قد يكون أقوى منهم في صحة الفهم وسلامة التمييز وقوة الإدراك، فيكون محصوله القليل أجدى وأنفع، ويكون له في أحكام العقل مجال
وفي مقابل ذلك نرى بعض العلماء المزودين بكثير من الثقافات ينظرون إلى الوجود نظرات عامية لا تمتاز بشيء عن نظرات العجائز من قعائد البيوت.
وأحمد أمين قليل الاطلاع في ميدان الأدب العربي بلا جدال، وهو مع قلة اطلاعه يحكم على الأدب أحكاماً عامية، بعيدة كل البعد عن أحكام الخواص، وقد أسلفنا الشواهد التي تؤيد رأينا فيه، وسنسوق شواهد جديدة.
المسألة الثانية، هي التعرض لأعماله المعاشية: فقد استنكر بعض القراء أن نقول إنه يكسب كيت وكيت، وعدوها مسألة شخصية
ونقول إننا تعرضنا لذلك لغرضين: الأول هو النص على أن أحمد أمين مشغول عن الفكر والقلم بشواغل تصرفه عن التجويد في البحث والتفكير والإبداع، والغرض الثاني هو تذكيره بأنه لا يجوز لمثله أن يعيب على أدباء العرب أن يشغلوا بمعاشهم وهو يقتل وقته