عليّ دين ثقيل للأستاذ العقاد حيل بيني وبين أدائه إلى الآن. ويظهر أني لن أستطيع أن أؤديه جملة فلا بد من تأديته أقساطا. فبين يدي كتب ثلاثةقرأتها وأعجبت بها ولي فيها آراء وأحب أن أذيعها. وهي كتاب الأستاذ عن ابن الرومي وكتابه عن جوت وديوانه الأخير وحي الأربعين.
ولسست ادري لماذا آثرت أن يكونقضائي لهذا الدين عكسيا فابدأ بآخر هذه الكتب الثلاثة ظهوراً. ولعلي إنما آثرت البدء بوحي الأربعين لأنه شعر، ولأن الوقوف عند الشعر والشعراء عذب لذيذ للكتاب الذين لا يحسنون قرض الشعر. فهم يجدون في قراءته ونقده وتحليله لذة لا يجدونها في قراءة النثر ونقده وتحليله. ولعلي إنما آثرت البدء بهذا الديوان لأن نقده أيسر من نقد الكتابين الآخرين. أيسر علي، وأيسر على الشاعر الكبير نفسه. فلن يكون بيننا جدال طويل ولا قصير. ولن نحتاج إلى أن نرجع إلى كتب الأدب والتاريخ لنثبت رأيا أراه ويخالفني العقاد فيه أو رأياًيراه العقاد ولا أقره عليه. وإنما هي آراء وخواطر تثيرها فينفسي قراءة هذا الديوان وسأعرضها على العقاد وعلى قرائه الذين نقدوه والذين قرظوه دون أن أحاول أن أفرضها على أحد فرضا أو أن أتعصب لها أو أن أجادل عنها. ودون أن يكون للعقاد وأنصاره وخصومه أن ينكروا هذه الآراء أو يجادلوا فيها لأنها آراء تتصل بالذوق وتتصل بمزاج الكاتب وطبيعته وتأثره بالفن الجميلأكثر مما تتصل بالحقائق المقررة أو الأمور التي يكثر فيها الجدال والنضال.
وما أظن أن أحدا يطمع في أن يفرض علي ذوقا غير ذوقي أو طبيعة غير طبيعتي أو تأثر بالفن الجميل غير تأثري به لمن شاء أن يرضى ولمن شاء أن يسخط وأنا أوثر بالطبع رضى الناس على سخطهم ولكن إيثاري لهذا الرضى شيء وظفري به شيء آخر.
ولعلي آخر الأمر إنما آثرت البدء بهذا الديوان لان كلام الناس قد كثر فيه ولأن جدالهم قد أشتد من حوله ولأن نقاده قد غلوا حتى جاوزوا القصد وأنصاره قد أسرفوا حتى جاروا عن