الحق فأحببت أن أقول في هذا الديوان كلمة، لا أقول أنها تقر الأمر في نصابه، وترد المختلفين إلى الوفاق، فليس إلى ذلك منه سبيل. ولكنها قد تصور رأى جماعة من المنصفين الذين لا يرضون عن آثار العقاد ولا ينكرونها لأنهم يغلون في حب العقاد أو يغلون فيبغضه، بل لأنهم ينظرون إليها من حيث هي آثار فنية خالصة تلائم أذواقهم أحيانا فيرضون، وتنافر أذواقهم حينا فينكرون. ومن حق هؤلاء الناس أن تصور آراؤهم وتظهر مذاهبهم في آثار كاتب مهما يقل فيه خصومه، فلن يستطيعوا أن ينكروا عليه البراعة، وشاعر مهما يقل أعداؤه فلن يستطيعوا أن يجحدوا حظه من الاجادة، وتوفيقه إلى شيء كثير جدا من الإبداع.
وأريد أن أقف وقفة قصيرة عند هذه الصفحات التيقدمها العقاد بين يدي ديوانه هذا لأقره في غير تحفظ، على ما ذهب إليه فيها من إن بين المجددين قوما يقلدون في التجديد، فيخطئون الفهم ويعدون الصواب ويتورطون في أحكام على الشعر والفن، لا خطر لها ولا غناء. وأن أقره أيضا في غير تحفظ على ما ذهب إليه في هذه الصفحات من أن للشاعر المجدد أن يطرق الفنون التي طرقها القدماء دون أن يمس ذلك تجديده أو يغض ذلك من براعته، بل قد يكون من الحق عليه أن يطرق هذه الفنون فيجددها ويبعث فيها حياة ملائمة للعصر والبيئة ولميول الجيل الذي يعيش الشاعر فيه.
فليس المدح عيبا من حيث هو مدح، وليس المدح فنا يجب أن يموت وإنما المدح فن من فنون الشعر لا بد من بقائه ما بقي الشعر، وما بقي بين الناس من يجيد ويحسن، وما بقي بين الناس من يرضى عن الإجادة ويحمد الإحسان للمحسنين. والهجاء فن من فنون الشعر لابد من أن يبقى ما بقي في الناس من يسيء وما بقي في الناس من يحب نقدا المفسد وتقويم المسيء. وقل في مثل ذلك في غير المدح والهجاء من هذه الفنون التي طرقها القدماء من العرب وغير العرب لا ينبغي أن تزول ولا أن تهجر، وإنما ينبغي أن تتطور لتلائم غيرها من أساليب الحياة العقلية والفنية التي يحياهاالناس على اختلاف البيئات والعصور.
ولكني وقفت مفكرا بعض الشيء عند هذا التعريف الذي أراد العقاد أن يعرف به الشعر حين يقول: