الصدق هو الإبانة عن الحق، والإخبار بالواقع. وبه يستقيم التفاهم بين الناس، ويكون التناصح والتعاون، وتسجل الحقائق والوقائع؛ وبدونه يصير تخاطب الناس غشاً، وتفاهمهم باطلاً، وتعاونهم محالاً
يتخاطب الناس ليخبر بعضهم بعضاً عن حقائق واقعة في العالم أو في أنفسهم، أو ليبين بعضهم لبعض عن أمل يأمله، ورأي في بلوغ هذا الأمل. فإن كان الكلام غير مبين عن الحق فهو تضليل يسير أعمال الناس على ضلال، وهو غش يؤدي إلى للتفريق بين الناس لا التعاون
ثم الكذب يجر بعضه بعضاً لأنه لا مكان له بين حقائق العالم فُيضطر الكاذب إلى أن يغير حقائق كثيرة ليخيل كذبه على السامع وليلائم بين ما أخبر به وبين حقائق تخالفه. فإذا قال قائل: قابلت فلاناً أمس في مكان كذا، فقيل له إن فلاناً لم يكن أمس في هذا المكان أضطر إلى أن يقول جاء إليه ثم سافر. وإن قيل إن هذا المكان لم يكن الذهاب إليه أمس ممكناً أدعى من الأباطيل ما يوهم أن الذهاب إليه قد أمكنه، ولم يكن بد من سلسلة من الأكاذيب يربط بها كلامه بالوقائع المعروفة بين الناس
وعلى قدر ما في كلام الناس من صدق توافق أعمالهم حقائق هذا العالم فتنجح، وعلى قدر الكذب تبعد الأعمال من الحقائق فتخيب. . .
وقد أجمعت أخلاق الأمم وشرائعها على الدعوة إلى الصدق، والنهي عن الكذب ووكّدت تجارب الناس ما عرفوا في الصدق من خير، وما رأوا في الكذب من شر. وهل كان التخاذل بين الناس والتنافر والتحارب والضلال إلا بضروب من الكذب والغش والخديعة؟ وهل ذهب كثير من أعمال الناس ضياعاً وكثير من أقوالهم هباء إلا بالكذب ونتائجه؟
والقرآن الكريم، وهو ترجمان الدين الحق والدعوة الصادقة، يؤكد الدعوة إلى الصدق ويشيد بذكر الصادقين، ويشتد في النهي عن الكذب ويلعن الكاذبين. كررت هذا آياته، ودارت عليه دعواته